الجزية كما يقوله أهل العراق وأهل المدينة ، وان استثنى هؤلاء بعض عبدة الأوثان ومن تأمل سيرة النبي صلىاللهعليهوسلم تبين له انه لم يكره أحدا على دينه قط ، وانه انما قاتل من قاتله : وأما من هادنه فلم يقاتله ما دام مقيما على هدنته لم ينقض عهده بل أمره الله تعالى أن يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له كما قال تعالى : (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) [التوبة : ٧] ولما قدم المدينة صالح اليهود وأقرهم على دينهم ، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدءوه بالقتال قاتلهم ، فمنّ على بعضهم ، وأجلى بعضهم ، وقتل بعضهم وكذلك لما هادن قريشا عشر سنين لم يبدئهم بقتال حتى بدءوا هم بقتاله ونقضوا عهده ، فعند ذلك غزاهم في ديارهم ، وكانوا هم يغزونه قبل ذلك كما قصدوه يوم أحد ويوم الخندق ، ويوم بدر أيضا هم جاءوا لقتاله ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم (والمقصود) انه صلىاللهعليهوسلم لم يكره أحدا على الدخول في دينه البتة ، وانما دخل الناس في دينه اختيارا وطوعا فاكثر أهل الأرض دخلوا في دعوته لما تبين لهم الهدى وانه رسول الله حقا. فهؤلاء أهل اليمن كانوا على دين اليهودية أو أكثرهم كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم لمعاذ لما بعثه الى اليمن : انك ستأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ان لا إله الا الله» وذكر الحديث ، ثم دخلوا في الاسلام من غير رغبة ولا رهبة ، وكذلك من اسلم من يهود المدينة وهم جماعة كثيرون غير عبد الله بن سلام مذكورون في كتب السير والمغازي لم يسلموا رغبة في الدنيا ولا رهبة من السيف بل اسلموا في حال حاجة المسلمين وكثرة اعدائهم ومحاربة أهل الأرض لهم من غير سوط ولا نوط ، بل تحملوا معاداة اقربائهم وحرمانهم نفعهم بالمال والبدن مع ضعف شوكة المسلمين وقلة ذات ايديهم ، فكان احدهم يعادي اباه وأمه واهل بيته وعشيرته ، ويخرج من الدنيا رغبة في الاسلام لا لرئاسة ولا مال ، بل ينخلع من الرئاسة والمال ويتحمل أذى الكفار من ضربهم وشتمهم وصنوف اذا هم ولا يصرفه ذلك عن دينه. فان كان كثير من الاحبار والرهبان والقسيسين ومن ذكره هذا السائل قد اختاروا الكفر فقد أسلم جمهور أهل الأرض من فرق الكفار ولم يبق الا الاقل بالنسبة الى من أسلم ، فهؤلاء نصارى الشام كانوا ملء الشام ثم صاروا مسلمين الا النادر ، فصاروا في المسلمين كالشعرة السوداء في الثور الابيض وكذلك المجوس كانت أمة لا يحصى عددهم الا الله فاطبقوا على