الله وسلامه عليه ما ضعف في ذات الله قط ، ولا في حال انفراده وقلة أتباعه وكثرة أعدائه واجتماع أهل الأرض على حربه ؛ بل هو أقوى الخلق واثبتهم جأشا وأشجعهم قلبا ، حتى أنه يوم أحد قتل أصحابه وجرحوا وما ضعف ولا استكان ، بل خرج من الغد في طلب عدوه على شدة القرح حتى أرعب منه العدو وكر خاسئا على كثرة عددهم وعددهم وضعف أصحابه ، وكذلك يوم حنين أفرد عن الناس في نفر يسير دون العشرة والعدو قد أحاطوا به وهم ألوف مؤلفة فجعل يثبت في العدو ويقول :
أنا النبي لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطلب |
ويتقدم إليهم ، ثم أخذ قبضته من التراب فرمى بها وجوههم فولوا منهزمين ومن تأمل سيرته وحروبه علم أنه لم يطرق العالم أشجع منه ولا أثبت ولا أصبر ، وكان أصحابه مع أنهم أشجع الأمم إذا حمى البأس واشتد الحرب اتقوا به وتترسوا به فكان أقربهم إلى العدو ، وأشجعهم هو الذي يكون قريبا منه ، وقوله : «ولا يميل إلى اللهو» هكذا كانت سيرته كان أبعد الناس من اللهو واللعب ، بل أمره كله جد وحزم وعزم ، مجلسه مجلس حياء وكرم وعلم وإيمان ووقار وسكينة. وقوله : «ولا يسمع في الأسواق صوته» أي ليس من الصاخبين في الأسواق في طلب الدنيا والحرص عليها كحال أهلها الطالبين لها. وقوله : ركن للمتواضعين» فإن من تأمل سيرته وجده أعظم الناس تواضعا للصغير والكبير والمسكين والأرملة والحر والعبد : يجلس معهم على التراب ، ويجيب دعوتهم ، ويسمع كلامهم ، وينطلق مع أحدهم في حاجته ، ويأخذ له حقه ممن لا يستطيع أن يطالبه به ويخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، وقوله : «وهو نور الله الذي لا يطفئ ولا يخصم حتى يثبت في الأرض حجته وينقطع به العذر» وهذا مطابق لحاله وامره ، ولما شهد به القرآن في غير موضع كقوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [التوبة : ٣٢] ، وقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) [الأحزاب : ٤٥] ، وقوله : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) [النساء : ١٧٤] ، وقوله :