أبواب المسجد ، معهما فئام (١) من الناس يتمارون ، وقد ارتفعت أصواتهم ، يرد بعضهم على بعض ، حتّى انتهوا إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : «ما الّذي كنتم تمارون قد ارتفعت فيه أصواتكم وكثر لغطكم»؟
فقال بعضهم : يا رسول الله ، شيء تكلّم فيه أبو بكر وعمر ، فاختلفا ، فاختلفنا لاختلافهم.
فقال : وما ذاك؟ قالوا : في القدر ، قال أبو بكر : يقدر الله الخير ، ولا يقدر الشّرّ. وقال عمر : يقدرهما جميعا.
فقال : ألا أقضي بينكما فيه بقضاء إسرافيل بين جبريل وميكائيل؟ قال جبريل مقالة عمر ، وقال ميكائيل مقالة أبي بكر : وذكر تمام الحديث (٢).
تأمّلت هذا الحديث يوما فإذا هو يشبه أقوال الطرقية ، فجزمت بوضعه ، لكونه بإسناد صحيح. ثمّ سألت شيخنا ابن تيمية عنه ، فقال : هذا كذب ، فاكتب على النسخ أنّه موضوع.
قلت : والظّاهر أنّ بعض الكذّابين أدخله على البغويّ لما شاخ وانهرم.
وأمّا ابن الجوزيّ فقال في «الموضوعات» : المتهم به : يحيى بن زكريا (٣) ،
__________________
(١) في الأصل : «فيئام».
(٢) ميزان الاعتدال ٤ / ٣٧٤ ، ٣٧٥ ، لسان الميزان ٦ / ٢٥٣ ، ٢٥٤.
(٣) وقال المؤلّف الذهبي ـ رحمهالله ـ في (ميزان الاعتدال ٤ / ٣٧٥) :
«قال ابن الجوزي : يحيى المتّهم به. وقال ابن عديّ : كان يضع الحديث. فهذا القول قاله ابن الجوزي هكذا في الموضوعات عقيب هذا الخبر ، ولم يذكر يحيى بن زكريا لا في الضعفاء ، ولا رأيته في كتاب ابن عديّ ، ولا في الضعفاء لابن حبان ، ولا في الضعفاء للعقيليّ ، ولا ريب في وضع الحديث.
وبقيت مدّة أظنّ أن يحيى هو ابن أبي زائدة ، وأن الحديث أدخل على بيبى في جزئها ، ثم إذا به في الأول من حديث ابن أخي ميمي البغدادي ، عن البغوي أيضا.
والبغوي فصاحب حديث وفهم وصدق. وشيخه فثقة. فتعين الحمل في هذا الحديث على يحيى بن زكريا هذا المجهول التالف.
ثم وجدته في الأول من أمالي أبي القاسم بن بشران : حدّثنا أبو علي بن الصواف ، حدّثنا محمد بن أحمد القاضي ، حدّثنا علي بن عيسى الكراجكي ، وحدّثنا حجين بن المثنى ، حدثنا يحيى بن سابق ، عن موسى بن عقبة ، وجعفر بن محمد بهذا. يحيى بن سابق واه».=