البصريّ (١). وكيف ما هو ، فهو إمام كلّ إمام ، والمستعلي بهمته على كلّ همام.
والفائز بالظفر على إرغام كل ضرغام. إذا تصدر للفقه ، فالمزني من مزنته قطره ، وإذا تكلّم فالأشعريّ من وفرته شعره ، وإذا خطب الجم الفصحاج بالعيّ شقاشقه الهادرة ، ولثم البلغاء بالصّمت حقائقه البادرة.
وقد أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه وغيره في كتابهم عن الحافظ عبد القادر الرهاويّ أنّ الحافظ أبا العلاء الهمذاني أخبره قال : أخبرني أبو جعفر الهمذاني الحافظ قال : سمعت أبا المعالي الجوينيّ ، وقد سئل عن قوله تعالى :(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٢) فقال : كان الله ولا عرش. وجعل يتخبط في الكلام ، فقلت : قد علمنا ما أشرت عليه ، فهل عندك للضرورات من حيلة؟
فقال : ما تريد بهذا القول وما تعني بهذه الإشارات؟
فقلت : ما قبل عارف قطّ يا ربّاه ، إلا قبل أن يتحرّك لسانه قام من باطنه قصد ، لا يلتفت يمنة ولا يسرة ، يقصد الفوق. فهل لهذا القصد الضروريّ عندك من حيلة ، فنبئنا نتخلّص من الفوق والتّحت؟
وبكيت ، وبكى الخلق ، فضرب بكمّه على السّرير ، وصاح بالحيرة.
وخرق ما كان عليه ، وصارت قيامة في المسجد ، ونزل ولم يجبني إلا : بيا حبيبي ، الحيرة الحيرة والدهشة الدّهشة الدّهشة (٣).
فسمعت بعد ذلك أصحابه يقولون : سمعناه يقول : حيرني الهمذانيّ (٤).
وقد توفي أبو المعالي في الخامس والعشرين من ربيع الأخر ، ودفن في داره ، ثمّ نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين ، فدفن إلى جانب والده وكسر منبره في الجامع ، وأغلقت الأسواق ، ورثوه بقصائد. وكان له نحو من أربعمائة تلميذ ،
__________________
(١) في (الدمية) : «وحسن بصره بالوعظ كالحسن البصري».
(٢) سورة طه ، الآية ٥.
(٣) تقدّم مثل هذا الخبر قبل قليل.
(٤) تكرر في هامش الأصل ما نصه : «من طالع كلام الشامل قطع بكذب هذه الحكاية والله أعلم. مظفري».