صحب الزّاهد القدوة أبا سعيد فضل الله بن أبي الخير الميهنيّ ، وسافر الكثير. وكان ذا همّة شريفة وأخلاق سنيّة. حجّ على التّجريد مرّات ، لأنّ الطّريق كان منقطعا. وكان يجمع جماعة من الفقراء والصّوفيّة ، ويدور في قبائل العرب ، وينتقل من حلّة إلى حلّة ، إلى أن يصل مكّة.
وكان بينه وبين نظام الملك مودّة أكيدة.
اتّفق أنّه كان منصرفا من أصبهان إلى حضرة نظام الملك ، فنزل بنهاوند ، وكان قد غربت الشّمس ، فنزل فأتى خانقاه أبي العبّاس النّهاونديّ ، فمنع من الدّخول وقيل : إن كنت من الصّوفيّة ، فليس هذا وقت دخول الخانقاه ، وإن كنت لست منهم ، فليس هذا موضعك.
فبات تلك اللّيلة على باب الخانقاه في البرد ، فقال في نفسه : إن سهّل الله لي بناء خانقاه أمنع من دخولها أهل الجبال ، وتكون موضع نزول الغرباء من الخراسانيّين.
قال أبو سعد السّمعانيّ : بلغني أنّه خرج مرّة إلى البادية ، فأضافه صاحبه أحمد بن زهراء ، وكانت له زاوية صغيرة يجتمع فيها الفقراء ، فلمّا دخلها أبو سعد قال : يا شيخ لو بنيت للأصحاب موضعا أوسع من هذا ، وبابا أرفع من هذا ، حتّى لا يحتاج الدّاخل إلى انحناء ظهره.
فقال له أحمد : إذا بنيت أنت رباطا للصّوفيّة في بغداد ، فاجعل له بابا يدخل فيه الجمل وعليه الرّاكب.
فضرب الدّهر ضرباته ، وانصرف أبو سعد ، إلى نيسابور ، وباع أملاكه ، وجمع ما قدر عليه ، وقدم بغداد ، وبنى الرّباط ، وحضر فيه الأصحاب ، وأحضر أحمد بن زهراء وركب واحد جملا حتّى دخل من باب الرّباط (١).
وسمعت ولده أبا (٢) البركات إسماعيل يقول : لمّا غرق جميع بغداد في سنة ستّ وستّين وأربعمائة ، وكان الماء يدخل الدّور من السّطوح ، وضرب الجانب
__________________
(١) المنتظم ٩ / ١١ (١٦ / ٢٣٥).
(٢) في الأصل : «أبو».