مسمار حديد ، وساروا نحو السّاحل. وسمع بهم الصليحي فسير خمسة آلاف حربة من الحبشة الذين في ركابه لقتالهم فاختلفوا في الطريق. ووصل السّبعون إلى طرف مخيم الصليحيّ ، وقد أخذ منهم التّعب والحفا ، فظنّ النّاس أنّهم من جملة عبيد العسكر ، فلم يشعر بهم إلّا عبد الله أخو الصّليحيّ ، فدخل وقال :يا مولانا اركب ، فهذا والله الأحول سعيد بن نجاح. وركب عبد الله ، فقال الصّليحيّ : إني لا أموت إلا بالدّهيم وبئر أمّ معبد. معتقدا أنها أم معبد التي نزل بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا هاجر. فقال له رجل من أصحابه : قاتل عن نفسك ، فهذه والله الدهيم ، وهذه بئر أمّ معبد. فلمّا سمع ذلك لحقه زمع الياس من الحياة على بغتة وبال ، ولم يبرح من مكانه حتّى قطع رأسه بسيفه ، وقتل أخوه وأقاربه ، وذلك في ذي القعدة من السّنة.
ثمّ أرسل ابن نجاح إلى الخمسة آلاف فقال : إنّ الصّليحي قد قتل ، وأنا رجل منكم ، وقد أخذت بثأر أبي ، فقدموا عليه وأطاعوه. فقاتل بهم عسكر الصليحيّ ، فاستظهر عليهم قتلا وأسرار ، ورفع رأس الصّليحيّ على رمح ، وقرأ القارئ : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) (١). ورجع فملك زبيد ، وتهامة ، إلى أن عملت على قتله الحرّة ، ودبّرت عليه ، وهي امرأة من أقارب الصّليحيّ. فقتل سنة إحدى وثمانين وأربعمائة (٢).
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ٢٦.
(٢) وفيات الأعيان ٣ / ٤١٣ ، ٤١٤.
وقد علّق اليافعي على هذه الرواية فقال :هكذا نقل بعض المؤرخين ، وقد ذكرته عن بعضهم في كتاب المرهم أنّ داعي الإسماعيلية دخل اليمن ودعا إلى مذهبهم ونزل في الجبل المذكور ، ولم يزل يدعو سرا حتى كثرت أتباعهم وظهرت دعوتهم وملكوا جبال اليمن وتهامتها ولكن ذلك مخالف بما قدمناه عن بعض في هذا التاريخ من وجوه.
منها : إنهم ذكروا أن داعيهم الّذي أظهر مذهبهم في اليمن وملكهم اسمه علي بن فضل من ولد خنفر ، بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وفتح الفاء في آخره راء ، ابن سبا والّذي تقدّم في هذا التاريخ اسمه علي بن محمد الصليحي.
ومنها : إن دعوتهم ظهرت في سنة سبعين ومائتين ، والمذكور فيما تقدم من هذا التاريخ أن دعوتهم ظهرت في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة.