كلّه حتّى أنه قال يوما وهو يخطب في جامع الجند (١) : في مثل هذا اليوم نخطب على منبر عدن. ولم يكن أخذها بعد. فقال بعض من حضر : سبوح قدوس. يستهزئ به. فأمر بالحوطة عليه ، وخطيب يومئذ على منبر عدن كما قال. واتخذ صنعاء كرسيّ مملكته ، وأخذ معه ملوك اليمن الذين أزال ملكهم ، وأسكنهم معه ، وبنى عدة قصور ، وطالت أيّامه (٢).
وقال صاحب «المرآة» : في سنة خمس وخمسين دخل الصليحيّ إلى مكة ، واستعمل الجميل مع أهلها ، وطابت قلوب النّاس ، ورخصت الأسعار ، ودعوا له.
وكان شابا أشقر ، أزرق ، إذا جاز على جماعة سلم عليهم. وكان ذكيا فطنا لبيبا ، كسا البيت ثيابا بيضاء ، ودخل البيت ومعه الحرة زوجته (٣) التي خطب لها على منابر اليمن.
وقيل : إنّه أقام بمكّة شهرا ورحل ، وكان يركب فرسا بألف دينار ، وعلى رأسه العصائب. وإذا ركبت الحرّة ركبت في مائتي جارية ، مزينات بالحليّ والجواهر ، وبين يديها الجنائب بسروج الذّهب.
قال ابن خلكان (٤) : وقد حجّ في سنة ثلاث وسبعين ، واستخلف مكانه ولده الملك المكرّم أحمد. فلما نزل بظاهر المهجم وثب عليه جياش بن نجاح وأخوه سعيد فقتلاه بأبيهما نجاح الّذي سمّه ، فانذعر النّاس ، وكان الأخوان قد خرجا في سبعين راجلا بلا مركوب ولا سلاح بل مع كلّ واحد جريدة في رأسها
__________________
(١) الجند : بالتحريك. قال أبو سنان اليماني : اليمن فيها ثلاثة وثلاثون منبرا قديمة وأربعون حديثة. وأعمال اليمن في الإسلام مقسومة على ثلاثة ولاة ، فوال على الجند ومخاليفها ، وهو أعظمها ، ووال على صنعاء ومخالفيها ، وهو أوسطها ، ووال على حضرموت ومخاليفها ، وهو أدناها ، والجند مسماة بجند بن سهران بطن من المعافر قال عمارة : وبالجند مسجد بناه معاذ بن جبل ، رضياللهعنه ، وزاد فيه وحسن عمارته حسين بن سلامة وزير أبي الجيش بن زياد ، وكان عبدا نوبيا ، قال : ورأيت الناس يحجون إليه كما يحجون إلى البيت الحرام ، ويقول أحدهم : أصبر لينقضي الحج ، يراد به حجّ مسجد الجند. (معجم البلدان ٢ / ١٦٩).
(٢) انظر وفيات الأعيان ٣ / ٤١٢ ، ٤١٣.
(٣) اسمها : أسماء ابنة شهاب. (وفيات الأعيان ٣ / ٤١٣).
(٤) في وفيات الأعيان ٣ / ٤١٣.