وولي الوزارة بعده شرف الدّين أبو جعفر أحمد بن البلديّ ، فأخذ في تتبّع آل هبيرة ، فقبض على ولديه محمد وظفر ثمّ قتلهما (١).
وقال أبو المظفّر (٢) : اضطرّ ورثة ابن هبيرة إلى بيع ثيابهم وأثاثهم ، وبيعت كتب الوزير الموقوفة على مدرسته حتّى أبيع كتاب «البستان» في الرقائق لأبي اللّيث السّمرقنديّ بدانقين وحبّة ، وكان يساوي عشرة دنانير ، فقال واحد : ما أرخص هذا البستان. فقال جمال الدّين بن الحصين : لثقل ما عليه من الخراج. يشير إلى الوقفيّة. فأخذ وضرب وحبس ، فلا قوّة إلّا بالله (٣).
__________________
(١) ترجم لهما العماد في الخريدة (قسم العراق) ٢ / ١٠٠ و ١٠١.
(٢) في مرآة الزمان ٨ / ٢٦٢ وفيه تحرّف اسم «ظفر» إلى «مطر».
(٣) وقال القزويني : كان وزيرا ذا رأي وعلم ودين وثبات في الأمور. حكى الوزير وقال : تطاول علينا مسعود بن محمود السلجوقي ، فعزم المقتفي أن يحاربه ، فقلت : هذا ليس بصواب ، ولا وجه لنا إلّا الالتجاء إلى الله ، فاستصوب رأيي ، فخرجت من عنده يوم الجمعة لأربع وعشرين من جمادى الأولى وقلت : إنّ النبي ، عليهالسلام ، دعا شهرا فينبغي أن ندعو شهرا ، ثم لازمت الدعاء كل ليلة إلى أن كان يوم الرابع والعشرين من جمادى الآخرة ، فجاء الخبر بأن السلطان مات على سرير ملكه وتبدّد شمل أصحابه ، وأورثنا الله أرضهم وديارهم.
حكي أنه قبل وزارته كان بينه وبين رجل بغداديّ ساكن بالجانب الغربي صداقة ، فسلّم الرجل إلى يحيى ثلاثمائة دينار وقال له : إذا أنا متّ جهّزني منها ، وادفنّي بمقبرة معروف الكرخي ، وتصدّق بالباقي على الفقراء ، فلما مات قام يحيى وجهّزه ودفنه كما وصّى ، والذهب في كمّه عائدا إلى الجانب الشرقي ، قال : فوقفت على الجسر فسقط الذهب من كمّي في الماء وهو مربوط في منديل ، فضربت بيدي على الأخرى وحوقلت ، فقال رجل : ما لك؟ فحكيت له فخلع ثيابه وغاص ، وطلع والمنديل في فمه ، فأخذت المنديل وأعطيته منها خمسة دنانير ، ففرح بذلك ولعن أباه ، فأنكرت عليه ، فقال : إنه مات وأزواني! فسألته عن أبيه ، فإذا هو ابن الرجل الميت ، فقلت : من يشهد لك بذلك؟ فأتى بمن شهد له أنه ابن ذلك الميت ، فسلّمت إليه المال.
وكان كثيرا ما ينشد لنفسه :
يا أيّها الناس ، إني ناصح لكم |
|
فعوا كلامي فإنّي ذو تجاريب |
لا تلهينّكم الدنيا بزخرفها |
|
فما يدوم على حسن ولا طيب |
وحكى عبد الله بن زرّ قال : كنت بالجزيرة فرأيت في نومي فوجا من الملائكة يقولون : مات الليلة وليّ من أولياء الله! فتحدّثت بها وأرّختها ، فلما رجعت إلى بغداد وسألت قالوا : مات في تلك الليلة الوزير ابن هبيرة ، رحمة الله عليه! ـ