فلمّا مات أبوه بسط يده بالمال وخالط الدّولة.
قال ابن النّجّار : ورث نعمة طائلة ، وخالط الكبراء وأرباب المناصب ، وبذل معروفه ، وتوصّل حتّى صار له اختصاص بالإمام المستضيء قبل أن يلي الخلافة. فلمّا استخلف قرّبه وولّاه مشارفة المخزن ، ثمّ ولّاه نظر المخزن والوكالة المطلقة ، وارتفع أمره. فلمّا قتل الوزير أبو الفرج ابن رئيس الرؤساء ردّ المستضيء جميع أمور دواوينه إليه ، ونابه في الوزارة. وكان كلّ الدولة يحضرون عليه. وكان يولّي ويعزل. وكان شهما مقداما ، له هيبة عظيمة ، وشدّة وطأة ، ولم يزل على ذلك حتّى مات المستضيء ، فأقرّه النّاصر على نظر المخزن فقط ، ثمّ خلّاه أيّاما وقبض عليه وسجنه أيّاما ، ومات.
وبلغني أنّ مولده سنة أربع وثلاثين وخمسمائة.
وأنبأنا ابن الجوزيّ (١) قال : منصور بن العطّار كان مقداما على القطع والصّلب ، ولمّا مات حمل إلى بيت أخته ، فأخرج بعد الصّبح ، فعلم به النّاس فضربوا التّابوت بالآجرّ ، ثمّ رمي فطرح التّابوت في النّار ، وخرّق الكفن ، وأخذ القطن ، فأخرج عريانا ، وشدّ في رجله حبل ، وسحب إلى المدبغة. ورموه فيها. ثمّ سحب إلى قراح أبي الشّحم ، والصّبيان يصيحون بين يديه : يا مولانا وقّع لنا. إلى أن جاء جماعة من الأتراك فاستخلصوه منهم ، ولفّوه في شقّة ، ومضوا به فألقوه في قبر والده (٢).
توفّي في ذي القعدة وأراح الله منه ، إلّا أنّه كان نقمة وعذابا على الشّيعة.
__________________
(١) في المنتظم.
(٢) وقال ابن الطقطقي : ومن طريف ما وقع في ذلك أن بعض الأتراك عمّر حمّاما وجعل مجراته تجوز على دار بعض الجيران. فتأذّى ذلك الجار بتلك المجراة ، فشكا ذلك إلى الوزير ، فزبره ولم يأخذ بيده ، وقال له : إن لم تسكت وإلّا جعلت رأسك في المجراة ، فيقال : إنّ ابن العطار لما سحبه العوامّ ومثّلوا به اجتازوا به على باب الحمّام المذكور ، فاتفق أنه وقع في المجراة ، فسحبوه فيها خطوات ، فتعجّب الناس من ذلك. (الفخري ٣٢٣).