فسبى وغنم ، وسار إلى الرملة ، فخرج عليه الفرنج مطلبين وعليهم البرنس أرناط صاحب الكرك ، وحملوا على المسلمين ، فانهزموا ، وثبت السّلطان وابن أخيه المظفّر تقيّ الدّين عمر ، ودخل اللّيل ، واحتوت الملاعين على أثقال المسلمين ، فلم يبق لهم قدرة على ماء ولا زاد ، وتعسّفوا تلك الرّمال راجعين إلى مصر ، وتمزّقوا وهلكت خيلهم.
ومن خبر هذه الوقعة أنّ الفقيه عيسى أسر ، فافتداه السّلطان بستّين ألف دينار ، وكان موصوفا بالشّجاعة والفضيلة ، أسر هو وأخوه ظهير الدّين ، وكانا قد ضلّا عن الطّريق بعد الوقعة. ووصل صلاح الدّين إلى القاهرة في نصف جمادى الآخرة.
قال ابن الأثير (١) : رأيت كتابا بخطّ يده كتبه إلى شمس الدّولة توران شاه ، وهو بدمشق ، يذكر الوقعة ، وفي أوّله :
فذكرتك والخطّيّ يخطر بيننا |
|
وقد نهلت منّا المثقّفة السّمر(٢) |
ويقول فيه : لقد أشرفنا على الهلاك غير مرّة ، وما نجّانا الله إلّا لأمر يريده.
وما ثبتت إلّا وفي نفسها أمر
وقال غيره : انهزم السّلطان ، والنّاس لم يكن لهم بلد يلجئون إليه إلّا مصر ، فسلكوا البرّية ، ولقوا مشاقا (٣) ، وقلّ عليهم القوت والماء ، وهلكت خيلهم ، وفقد منهم خلق.
ودخل السّلطان القاهرة بعد ثلاثة عشر يوما ، وتواصل العسكر ، وأسر الفرنج فيهم. واستشهد جماعة منهم : أحمد ولد تقيّ الدّين عمر المذكور ، وكان شابّا حسنا له عشرون سنة.
__________________
(١) في الكامل ١١ / ٤٤٢ ، ٤٤٣ ـ.
(٢) البيت لأبي عطاء السندي. (انظر كتاب : «الزهرة» لأبي بكر محمد بن سليمان الأصفهانيّ ٢٧٨).
(٣) في الأصل : «مشاق».