لابنه الأكبر محمد ، وكان لا يصلح للملك لإدمانه الخمور وكثرة طيشه.
وقيل : كان به أيضا جذام. فاضطرب أمره ، وخلعه الموحّدون بعد شهر ونصف. ودار الأمر بين أخويه يوسف وعمر ، فامتنع عمر وبايع أخاه مختارا ، وسلّم إليه الأمر ، فبايعه النّاس ، واتّفقت عليه الكلمة بسعي أخيه عمر ، وأمّهما هي زينب بنت موسى الضّرير.
وكان أبو يعقوب أبيض بحمرة ، أسود الشّعر ، مستدير الوجه ، أفوه ، أعين ، إلى الطّول ما هو ، حلو الكلام ، في صوته جهارة ، وفي عبارته فصاحة. حلو المفاكهة ، له معرفة تامّة باللّغة والأخبار. قد صرف عنايته إلى ذلك لمّا ولي لأبيه إشبيلية ، وأخذ عن علمائها ، وبرع في أشياء من القرآن والحديث والأدب.
قال عبد الواحد بن عليّ التّميميّ في كتاب «المعجب» : صحّ عندي أنّه كان يحفظ أحد الصّحيحين ، غالب ظنّي أنه البخاريّ. وكان سديد الملوكيّة ، بعيد الهمّة ، سخيّا ، جوادا ، استغنى النّاس في أيّامه ، وتموّلوا.
قال : ثمّ إنّه نظر في الفلسفة والطّبّ ، وحفظ أكثر الكتاب الملكيّ. وأمر بجمع كتب الفلاسفة ، فأكثر منها وتطلّبها من الأقطار. وكان ممّن صحبه أبو بكر محمد بن طفيل الفيلسوف ، وكان بارعا في علم الأوائل ، أديبا ، شاعرا ، بليغا ، فكان أبو يعقوب شديد الحبّ له. بلغني أنّه كان يقيم عنده في القصر أياما ليلا ونهارا ، وكان هو الّذي نبّه على قدر الحكيم أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد المتفلسف.
وسمعت أبا بكر بن يحيى القرطبيّ الفقيه يقول : سمعت الحكيم أبا الوليد يقول : لمّا دخلت على أمير المؤمنين أبي يعقوب وجدته هو وأبو بكر بن طفيل فقط ، فأخذ أبو بكر يثني عليّ ويطريني ، فكان أوّل ما فاتحني به أمير المؤمنين أن قال لي : ما رأيهم ، يعني الفلاسفة ، في السّماء ، أقديمة أم حادثة؟ فأدركني الخوف فتعلّلت وأنكرت اشتغالي بعلم الفلسفة ، ففهم منّي