٤ ـ عند ما قام الغزالى بوضع معيار للعلوم المختلفة أخطأ فى اعطاء كل علم من العلوم حقه. فهو قد أعطى للتصوف مثلا قيمة أكثر مما يستحق ؛ مما أدى الى اختلال التوازن بين العلوم المختلفة. لقد استطاع الغزالى بما له من شخصية ومكانة علمية فذة لدى الجمهور كما قلنا ؛ أن يلعب دورا كبيرا فى إقناع الناس بصحة رايه ومنهجه. وقد كان ذلك سببا من الأسباب التى أدت الى ترجيح رأيه عند ما تعرض لكل من الفلسفة وعلم الكلام. ان الغزالى لم يكتف بذكر آرائه تلك فى كتاب أو فى موضوع معين بل بثها بين ثنايا كتبه المختلفة فى التفسير والحديث والشريعة والتصوف. وبين رأيه بوضوح فى ذلك كله وتصح فيما يتعلق بعلم الكلام بعدم التعمق فيه لأنه لا حاجة تدعو الى الاستفاضة فى موضوعاته وقال نفس الشيء بالنسبة للعلوم الشرعية الأخرى فهو يقول بهذا الصدد :
«فان العلم كثير والعمر قصير وهذه العلوم آلات أو مقدمات وليست مطلوبة لعينها بل لغيرها. وكل ما يطلب لغيره فلا ينبغى أن ينسى فيه المطلوب ويستكثر منه فاقتصر من شائع علم اللغة على ما تفهم منه لغة العرب. وتنطق به ومن غريبه على غريب القرآن وغريب الحديث ودع التعمق فيه. واقتصر من النحو على ما يتعلق بالكتاب والسنة ... فما من علم الا وله اقتصار واقتصاد واستقصاء .. ونحن نشير إليها فى الحديث والتفسير والفقه والكلام لتقيس بها غيرها. فالاقتصار فى التفسير هو ما يبلغ ضعف القرآن فى المقدار كما صنفه على الواحدى النيسابورى وهو الوجيز ، والاقتصاد هو ما يبلغ ثلاثة أضعاف القرآن : كما صنفه من الوسيط فيه. وما وراء ذلك استقصاء مستغنى عنه فلا مرد الى انتهاء العمر.
واما الحديث فالاقتصار فيه تحصيل ما فى الصحيح بتصحيح نسخة على رجل خبير بعلم متن الحديث واما حفظ اسامى الرجال فقد كفيت به بما تحمله عنك قبلك ولك أن تقول على كتبهم. وليس يلزمك حفظ متون الصحيحين ولكن تحصله تحصيلا تقدر منه على طلب ما يحتاج إليه عند الحاجة واما الاقتصاد فيه فان تضيف إليها ما خرج عنهما مما ورد فى المسندات الصحيحة.
واما الفقه فالاقتصار فيه على ما يحويه مختصر المزنى وهو الّذي رتبناه فى