أصبحت شخصية الغزالى العالم والمفكر مثلا حيا لمن أتى بعده ، لكن ذلك تطلب ممن نهج منهجه واقتفى أثره عملا كبيرا وجهدا شاقا. أما العلوم الأربعة الرئيسية التى برز فيها الغزالى هى : ١ ـ الفقه وأصوله. ٢ ـ علم الكلام. ٣ ـ الفلسفة. ٤ ـ التصوف. لقد ضلع فى هذه الجوانب الأربعة وأصبح له فيها دور التوجيه لقد كان عالما وإماما فى تلك العلوم جميعا ، ولا شك ان ذلك يرجع الى تميزه بذكاء حاد وشغف بالعلوم على اختلاف أنواعها ولهذا من الصعب ان نجد قبله عالما يحمل نفس ثقافته الواسعة تلك.
٢ ـ ان ثقافة الغزالى لم تقف عند حد معرفته للعلوم الاسلامية فحسب ، بل تعدتها الى حد الالمام والاحاطة بالثقافة التى تعارض الاسلام عالما بما لدى خصومه فى نفس الوقت من أدلة وحجج. واعتمادا على ذلك كان يسوق آراءه المستندة على أساس راسخ متين. فمثلا عند ما يقوم التصوف من الناحية التشريعية يستند فى ذلك على ما لديه من ثقافة فى الفقه وأصوله ولذلك عند ما يقال ان الغزالى يتحدث فى الفقه كذا أو فى التصوف كذا لا ينظر الى رأيه كأى رأى من الآراء بل ينظر الى أنه أهل لرأيه وصاحب كلمة صحيحة فيما يقول. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعلوم الأخرى التى ضلع فيها مثل علم الكلام والفلسفة. وهكذا جذب الغزالى بثقافته الواسعة انظار غيره من العلماء ؛ فأثار فيهم روح التوسع فى العلوم حيث نشأ من بعده نهج التوسع فى الأبحاث والعلوم ، لكن ذلك أصبح حائلا أمام التعمق فيها ، لقد حاول العلماء من بعده التشبه به فى ثقافته الواسعة تاركين التخصص فى المواضيع مما أدى الى ضياع العلم والفلسفة.
٣ ـ لم يكن الغزالى ضد الفلسفة فحسب ؛ بل عارض علم الكلام أيضا ، ولذلك كان له تأثير ملحوظ فى هذين الموضوعين الذين يعتبران مجال تفكير أكثر من العلوم الأخرى ولكون الغزالى يتمتع بمكانة علمية ودينية لدى جمهور المسلمين فان عداوته لعلم الكلام والفلسفة انتشرت لدى الأوساط المختلفة ، ومن ثم ازداد خصومهما من مختلف الطبقات. ولا تزال هذه الفكرة منتشرة فى الأوساط الدينية حتى يومنا هذا. ان هذا الموقف السلبى من الغزالى قد أعاق نمو التفكير ومشروعية الحرية التى تحتاج إليها بالضرورة التنمية الفكرية.