واحتياجه الى الفاعل متأخر عن علة احتياجه الى الفاعل فاذن الحدوث متأخر عن علة الحاجة فلو كان هو علة أو جزءا منها ؛ لزم تأخر الشيء عن نفسه بمراتب وأنه محال.
واذا ثبت أن الحدوث غير معتبر أصلا والمحوج الى المؤثر اما الامكان أو الحدوث لأن عند انتفائهما كان الشيء واجبا قديما. ومثله لا يحتاج الى سبب فتعين كون الامكان هو العلة للحاجة الى العلة هكذا قرره فى الكتب.
وفيه نظر لأنا لا نسلم تأخر كل صفة عن الموصوف. فان الامكان صفة وهى سابقة على موصوفه سلمناه لكن لم قلتم بأنه يلزم من عدم كون الحدوث معتبرا ان يكون المحوج الى السبب هو الامكان وانما يلزم ذلك ان لو انحصرت علة الحاجة الى المؤثر فى الامكان أو الحدوث أو فيهما وهو ممنوع. وما ذكرتموه لبيان هذه المقدمة يقتضي ان كل محتاج الى المؤثر فهو ممكن أو حادث لكن لا يلزم من ذلك أن تكون علة للحاجة هذه الأمور الثلاثة.
والصواب أن يقول الحدوث لما كان عبارة عن كون الشيء مسبوقا بالعدم لزم بالضرورة تأخره عن ذلك الشيء للعلم الضرورى بامتناع عروض العارض للشىء الا بعد وجوده واما أن الحدوث اذا كان غير معتبر لزم أن يكون علة الحاجة الامكان لاتفاق الكل على أن علة الحاجة منحصرة فى الامكان أو الحدوث أو فيهما.
(٥٧ ـ ١) قال المتكلمون هذا الدليل فى حيز التعارض لأنا نقول المحوج الى المؤثر اما الامكان أو الحدوث لما بينتم. والامكان ليس علة لأنه صفة للممكن فتكون متأخرة عنه وهو متأخر عن تأثير الفاعل فيه المتأخر عن احتياجه الى المؤثر المتأخر عن علة الاحتياج. فلو كان الامكان علة أو جزءا منها لزم تأخر الشيء عن نفسه مراتب وأنه محال.
أجاب عنه الحكماء بأنا لا نسلم تأخر كل صفة عن موصوفها. فان الامكان صفة للممكن وهى عندنا متقدمة والا لكان الممكن قبل وجوده اما واجبا أو