أعتقد أننا على الحق عند ما نقول ان فخر الدين الرازى هو الّذي التقى عنده الفلاسفة والمتكلمون وصاروا جنبا الى جنب فى اثبات وتثبيت المبادي الكلامية والفلسفة فى خدمة الاسلام والحضارة الاسلامية.
ففى المحصل وضع فخر الدين الرازى بحثين فى النقاش الأول هو ترجيحه الامكان على الحدوث. وظهر من النقاش أو ابداء الآراء بين الشراح على ترجيح علية الامكان على الحدوث بأن الحدوث تأخر عن العلة بمراتب اربع ولذا فان الامكان لا يتأخر الا بمرتبة واحدة ليس حينئذ نظرية الحدوث أولى عند المتكلمين ؛ لأن الحدوث اذا كان متأخرا بأربع مراتب معناه يجعل الشقة بين القديم والحادث أوسع بأربع مرات ولا يفكر الانسان بقدم الكون الا اذا قطع تلك المسافة البعيدة واذا كان الامكان بمرتبة واحدة معناه أنه يلتبس على الانسان هل الكون أزلى وقديم أو حادث ومخلوق منفصل بزمان أم لا؟.
ومع كل ذلك فان الامكان يشعر أن الكون محتاج الى واجب الوجود لأن يكون موجودا حتى قبل وجوده والاحتياج سابق فى الامكان على الوجود سبقا ذاتيا كما أفاده الشهرستانى فى عباراته السابقة غاية وذهنا آنفا كما فى حياتنا اليومية نفكر بالاحتياج الى المنضدة ثم نعملها. هنا العلة الغائية موجودة قبل العلة المادية ذهنا ومتأخرة عنها تحققا يعنى تحقيق العلة الغائية متأخر عن عمل المنضدة فى الحدوث ولذلك يبدو أن علة الاحتياج متأخرة عن الحدوث لأن الشيء بعد ما يحدث نفهم أنه سبقه عدم وكان قبل حدوثه محتاجا الى المؤثر. واما فى الامكان قبل أن يخرج الى الوجود فنفهم أنه محتاج الى مؤثر سابقا ولاحقا لأنه ممكن يستوى فيه طرفا الوجود والعدم.
فان الفارابى وابن سينا لم يقبلا سبقية الامكان على الممكن الموجود فى المبدعات وقالا انه مع الممكن الموجود وعلى هذا علة الحاجة غير سابقة فى الامكان فى الابداع (*).
__________________
(*) لقد شرح هذا «في الخلق عند الفارابي وابن سينا» لصاحب المقال المطبوع في انقره باللغة الشركية.