ولهذا السبب فان الرازى رجح نظرية الامكان على الحدوث والنقطة الثانية هى تأمين ومحافظة دوام الكائنات من ناحية ، ومن ناحية أخرى اثبات عدم استقلالية الكائنات وانقطاعها عن واجب الوجود ودوام احتياجها إليه ليس فى وجودها فقط بل فى استمرار وجودها كذلك ، وهو من دون أن يحتاج الى أدلة منفصلة أخرى. فان نظرية الامكان متضمنة اياه لأن ماهية الامكان متساوية الطرفين الوجود والعدم فاذا رجح طرف الوجود وأصبح الامكان موجودا فان الوجود لا يطرد امكانيته ولا يخرج عن الامكان وامكانيته باقية بما أن الامكان موجود فى الممكن الوجود وهو محتاج الى واجب الوجود دوما واستمرارا مثل الكهرباء للقنديل. والقنديل (المصباح) محتاج الى الكهرباء لاضاءته فى أول وجوده ودوامه. وأما هذا فانه غير موجود أو مشعور به فى الحدوث. فان الحدوث مثل النواة اذا ألقيت فى الأرض وانفلقت وظهر النبت لا تبقى النواة موجودة لأنه ما كان بالقوة أصبح بالفعل ولم يعد يسمى بالقوة. ولذلك هنا يكمن الفرق بين ما هو بالقوة وبين ما هو بالامكان. والامكان أصبح ممكنا وامكانه معه ولا يفارقه وعلى هذا فان علة الحاجة الى المؤثر اذا كان هو الامكان قد تحصل على الشيئين بشيء واحد.
واننا نرى من المتكلمين المعاصرين من رجح نظرية الحدوث على نظرية الامكان وفى ذلك يقول الشيخ العلامة شيخ الاسلام فى الدولة العثمانية (١٩١٩ ـ ١٩٢٠) مصطفى صبرى (١٨٦٠ ـ ١٩٥٤) فى كتابه موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين :
«ثم ان كانت الشبهة تخالجك فى مسئلة المحوج هل هو امكان المحتاج أو حدوثه فلننظر لما ذا يحتاج المحتاج الى العلة.
فالممكن يشمل الموجود والمعدوم وهو ما دام معدوما لا يحتاج الى العلة وانما حاجته إليه ليكون موجودا وليدوم له الوجود مدة دوامه فمنشأ الحاجة اذن اتصاف الممكن بالوجود ابتداء وبقاء الا أن الموجود القديم لما لم يحتج الى علة كما حققناه تعين الوجود الحادث للحاجة فاذا اختصرته قلت الحدوث أى الحدوث المقابل للقدم لا المقابل للبقاء لأن وجود الحادث حال بقائه وجود حادث كابتدائه فلا