يصح تمثيل الحادث المحتاج الى العلة بالبناء المستغنى بعد انشائه عن البانى فالمحوج هو حدوث الممكن لا امكانه بالرغم من أن مذهب الفلاسفة هو الثانى وبالرغم من أن بعض المتكلمين المحققين متفقون معهم فى ذلك (*). ولعل سبب خطأ الفلاسفة قولهم بقدم العالم مع امكانه واستناده الى الله وسبب خطأ أولئك البعض من المتكلمين قولهم بامكان صفات الله مع قدمها وصدورها عن الله ايجابا والكل بعيد عن الحقيقة كما عرفت (١٨).
ولا أريد ان أطيل فى الموضوع أكثر من اللازم واكتفى بهذا مع الاشارة الى أن القارئ يمكن له أن يرجع الى ما قيل فى الحاجة الى المؤثر هل الامكان أو الحدوث والّذي نقلناه آنفا من المحصل وشروحه ويستطيع الانسان أن يقارن ويجد الجواب من خلال اختلافهم فى المسألة :
ان منشأ أو منطلق الفلسفة الوجودية المعاصرة هو التفريق والتمييز بين الماهية والوجود أو بين ماهية الشيء ووجوده. الشيء الموجود له ماهية ووجود ؛ وماهيته غير وجوده. وهذا الفرق والتمييز أو هذا المفهوم قد اكتشف من قبل الفارابى وليس له سابق فى وضع هذا المفهوم والمعنى. وعند ما يقرأ طالب الفلسفة فلسفة الوجود الحديثة يرى انها تدور على الماهية والوجود وأى واحد منهما سابق على الآخر ولكل فيلسوف له اتجاه خاص لاتخاذه واحدا منهما مبدأ له مثل جان بول سارتر الّذي يقدم الوجود على الماهية.
وأما الفارابى وابن سينا فلا يقدمان أى واحد من الماهية أو الوجود على الآخر. وهذا مخالف لمذهبهما فى التفريق بينهما لأنه اذا كان
__________________
(*) بعد ان كتبت هذا ، رايت «مرقاة الطارم» العالم الهند الكبير محمد انور شاه الكشميري رحمه الله يقول فيه ص ٣٧ «والحوج الى ١ لعلة ليس هو الامكان كالذي يكون في ممكن بقي في العدم ولا حدوث في اول آن ، بل وجود يكون من الغير. فالسلة هي الموجودية الحادثة وكان المراد بالحدوث هو الوجود في مقابل العسدم» (كلام الشيخ مصطفى هسري) موقف العقل ج ٣ ص ٣٢٧.
(١٨) موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين ، مصطفى صبري ، شيخ الاسلام للدولة العثمانية ، ٣/٣٢٦ ـ ٣٢٧ مصر ١٩٥٠.