وعند الفلاسفة الاسلاميين اذا لم يكن للماهية أو الوجود أى تقدم أو سبقية على الآخر معناه هو ممكن والامكان ليس موجودا ولا معدوما ولذلك عرفوا الامكان بانه تساوى طرفى الوجود والعدم. اذا قيل انه موجود رجح طرف الوجود على العدم واذا قيل انه معدوم رجح طرف العدم على الوجود وفى كلتا الحالتين لا يبقى الامكان على تعريفه الحقيقى بتساوى الطرفين. اذا انتقض التساوى أصبح أحد الطرفين مرجحا والآخر مرجوحا.
وعلى هذه الخلاصة الوجيزة جدا ينظر الى قول الرازى فى المحصل استنادا على هذه النظرية كيف يفند اعتراضات الحسيين ضد المبادي البديهية ؛ فهو يستخدم نظرية التفرقة بين الماهية والوجود.
«فمن المعلوم بالضرورة أن قولنا السواد اما ان يكون موجودا أو لا يكون. لا يمكن التصديق به الا بعد تصور مفهوم قولنا : السواد موجود ؛ السواد معدوم لكن كل واحد منهما باطل. اما الأول فلأنا اذا قلنا السواد موجود ؛ فاما أن يكون كونه سوادا هو نفس كونه موجودا أو مغايرا له» (يستند الرازى فى قوله هذا على مغايرة الماهية للوجود).
شرح الطوسى : أقول : الكائن سوادا هو غير الكائن موجودا والسواد مغاير للموجود وذلك لأن هاهنا شيئا واحدا يقال له تارة انه سواد وتارة انه موجود فالمقول عليه منهما واحد والمقولان متغايران فاذا القسمة ان كون أحدهما عين الآخر أو مغايرا له ليست بحاصرة ويعوزه قسم آخر وهو ان يكونا متحدين من وجه على مغايرتين من جهة أخرى (١٩).
شرح الكاتب القزوينى : «أقول لا حاجة له الى الشرح لكنا نجيب عنه فنقول : لم قلتم بأن التالى فى قولكم الوجود اذا كان نفس السواد لم يكن بين قولنا السواد (٩ ـ ب) موجود وبين قولنا : السواد سواد ؛ وبين قولنا : الموجود موجود ، فرق باطل فان عندنا الفرق بين هذه الأقوال ثابت فى اللفظ
__________________
(١٩) المحصل ١٥ مصر ١٣٢٣.