بحثهم عن المقطع لأدلة المانعين من حجية العقل.
إلا أن التحقيق أن القطع لا ريب في وجوب متابعته ولزوم العمل به والجري على طبقه لانكشاف الواقع به لدى القاطع انكشافا تاما لا يتطرق له أدنى وهم أو احتمال وإلا لما كان قاطعا فثبوت الكشف له نظير ثبوت الزوجية للاربعة ولا يعقل أن يقع النزاع في حجيته وإنما كلام الأصوليين في تشخيص الأدلة العقلية التي توجب القطع بالأحكام الشرعية والعمدة عندهم الذي هو محل النزاع في حصول القطع به هو دليل الحسن والقبح العقليين وهو مبني على دعامتين : الأولى إن الأفعال عند العقل مختلفة في نفسها مع قطع النظر عن الشرع فبعضها ما يمدح فاعلها وبعضها ما يذم فاعلها لخصوصية في ذاتها أو صفة حقيقية متصفة بها أو جهة اعتبارية تقضي ذلك وإن الافعال كسائر الأشياء المختلفة في الآثار في حد ذاتها كالاحجار والأشجار والجمادات فالضرب المورث للحزن والغم والألم يذم فاعله ورد الوديعة الموجب للفرح والسرور يمدح فاعله.
وكما أن الأشياء بالنسبة إلى كل واحد من الحواس الظاهرة والباطنة والطبائع والغرائز قد تكون ملائمة وقد تكون منافرة وقد لا تكون كذلك وقد تكون على حد سواء لا ملائمة ولا منافرة كذلك القوة العاقلة تكون لها ما يلائمها وما ينافرها وما هو على حد سواء بالنسبة لها مع قطع النظر عن الشرع بحسب ما لها من الخصوصية. فالفعل الملائم للعقل يعجبه ويستحسنه من فاعله إذا صدر عنه بالاختيار والفعل المنافر للعقل يشمئز منه ويقبح فاعله إذا صدر منه بالاختيار والفعل الذي ليس بمنافر للعقل ولا بملائم له لا يقبح فاعله ولا يستحسنه منه ولا فرق في ذلك بين الافعال الصادرة من المولى أو من العبد