النفس غير مادّية أنّها ليست عرضا أو صورة حالّين في مادّة أو جسم ذي مادّة ، فلزم ممّا ذكره ، أن ليست النفس مركّبة في ذاتها ، ولا بسيطة قائمة في مادّة ، وكذلك أنّه حيث أثبت في الفصل التالي أنّها عاقلة لمعقولاتها بالذات من دون توسط آلة في ذلك ، أنّ قيامها إنّما هو بالذات كتعقّلها لمعقولاتها ، إذ العاقل بالذات لا يكون إلّا قائما بالذات من غير دخل أمر آخر في قيامها ووجودها ، إذ لو كان لأمر ما مدخل فيه ، لما كان كذلك ، والمفروض خلافه ، وحيث أثبت ذلك ، لزم منه أنّ النفس غير مركّبة من جزءين حالّ ومحلّ ، إذ المركّب تركيبا كذلك يكون تقوّمه بجزئيه ، فلا يكون قائما بالذات ، وكذلك لزم منه أنّها غير حالّة في شيء أيّا كان ذلك الشيء جسما أو غيره ، مجرّدا أم مادّيا إذ الحالّ كذلك لا يكون عاقلا بالذات ، ولا قائما بذاته ، فلزم منه أيضا أنّها ليست عرضا ولا صورة لشيء ما جسم أو جسمانيّ أو مجرّد ، وكذلك لزم منه أنّها ليست بمحلّ لشيء يكون قيامها بذلك الشيء ، إذا لمحلّ القائم بما حلّ فيه لا يكون قائما بذاته كما هو المفروض ، فلزم منه أنّها ليست هيولى ولا مادّة لصورة ما ، يكون تقوّمها بتلك الصورة ، كالصورة الجسميّة أو النوعيّة بالنسبة إلى الهيولى. وأنّ الصورة العقلية الحالّة في النفس ليست ممّا به تقوّمها أو عقلها لذاتها ، إذ لو كان الأمر كذلك ، لما كان للنفس قيام بالذات ولا عقل بالذات مع قطع النظر عن حلول تلك الصورة العقليّة فيها ، والمفروض خلافه ، حيث إنّها في مبدأ الفطرة أيضا لها قيام بالذات وتعقّل بالذات وأنّها قد تزول تلك الصورة العقليّة عنها ، وهي باقية على حالها من القيام بالذات والتعقّل بالذات.
وبالجملة فقيام النفس بالذات من الضروريات ، كما اعترف به صاحب المحاكمات أيضا ، ويلزم منه عدم قيامها في وجودها وفي تعقّلها بالمحلّ ، ولا بالحالّ ، والعجب منه أنّه اعترف بذلك ، وادّعى أنّه يمكن أن يكون النفس كالهيولى لا تقوم إلّا بما يحلّ فيها ، وهل هذا إلّا تناقض؟
فلزم ممّا ذكره الشيخ أنّ النفس مع بساطتها في ذاتها أصل في الوجود والقيام والتعقّل ، من غير دخل أمر آخر في ذلك ، والحاصل أنّه لزم ممّا بيّنه في الفصلين المتقدّمين ، كون النفس شيئا بسيطا لا تركيب فيه من حالّ ومحلّ أصلا ، ولا هي ممّا هو قائم بالمركّب ، وتعلّق له بالمادّة ، ولا قيام لها في وجودها وتعقّلها إلّا بذاتها لا بأمر آخر ، هو جزؤها