فلذا لم يتعرّض الشيخ له ، وأورد الدليلين ، وأورد الثاني عقيب الأوّل ، حيث إنّه بمجموعهما مع ملاحظة ظهور أن ليس هنا أمر آخر يمكن أن يكون منشأ لفساد النفس ، يتمّ المقصود ، وهو وجوب بقاء النفس بعد خراب البدن.
والمحصّل أن طرق تطرّق الفساد إلى النفس منسدّة كلّها.
أمّا من جهة الفاعل ، فلأنّ المفروض بقاؤه.
وأمّا من جهة ذاتها ، فلعدم قبولها الفساد كما مرّ.
وأمّا من جهة البدن ، فلعدم كون فساده منشأ لفسادها.
وأمّا من جهة غير ذلك فلكون المفروض انتفاؤه فحيث انسدّت طرق تطرّق الفساد إليها ، وكانت علّتها الموجدة المبقية لها باقيّة ، وجب بقاؤها.
ثمّ إنّه بما ذكرنا كما يحصل الجواب عن اعتراض الإمام بالوجهين ، إذا اورد على دليلي الشيخ ، كذلك يحصل به الجواب عنه إذا اورد على ما ذكرنا أوّلا من الدليل على بقاء النفس ، وكذا إذا اورد على ما نقلنا عن أفلاطون من الدليل إن أمكن الإيراد.
وحيث أطنبنا الكلام في هذا المقام لكونه عزيز المرام دقيق المنال عند اولي الأفهام ، فلنرجع إلى تحقيق القول فيما ذكروه ، من الجواب عن اعتراض الإمام ، وتوجيهه بقدر الإمكان ، فلنتكلّم أوّلا في الجواب الذي ذكره المحقّق الطوسي رحمهالله وقد نقلناه سابقا.
في تحرير جواب المحقّق عن اعتراض الإمام
فنقول : قوله رحمهالله : «والجواب أنّ كون الشيء محلّا لإمكان ما هو مباين القوام له ، أو لإمكان فساده غير معقول ، فإنّ معنى كون الجسم محلّا لإمكان وجود السواد ، هو تهيّؤه لوجود السواد فيه ، حتّى يكون حال وجود السواد مقترنا به ، وكذلك في إمكان الفساد ، ولذلك امتنع أن يكون الشيء محلّا لإمكان فساد ذاته ، فالبدن ليس بمحلّ لإمكان حدوث النفس من حيث هو مباين لها ، ولا لإمكان فسادها أيضا» واضح ، وملخّصه أنّ الشيء لا يمكن أن يكون محلّا لإمكان حدوث ما هو مباين القوام عنه ، ولا محلّا لإمكان فساده عنه ، فلا يكون البدن محلّا لإمكان حدوث النفس فيه ، من جهة كونها مباينة القوام عنه ، ولا لإمكان فسادها عنه من هذه الجهة. وقد مضى أيضا ما يتّضح به شرحه.