يؤكّد ما ذكرنا من أنّ البساطة منشأ لعدم الفساد ، لكن ليس أمر النفس كأمر المادّة ، إذا النفس مع بساطتها أصل وسنخ ، وهي ليست كذلك ، إذ وجودها وقيامها إنّما هو بما يحلّ فيها لا بذاتها كما في النفس.
ثمّ قال : والبسائط التي في المادّة فإنّ قوّة فسادها في جوهر المادّة لا في جوهرها ، يعني أنّ الأعراض والصور البسيطة الحالّة في المادّة وإن كان يتوهّم فيها أن لا تكون فيها قبول فساد من جهة بساطتها وعدم تركّبها بحسب الذات من مادّة وصورة ، إلّا أنّ تلك البساطة المستلزمة لعدم قبول الفساد ، هي ما تكون منافية للتركيب في الذات ، وللقيام بالمركّب جميعا وتلك الأعراض والصور البسيطة ليست كذلك ، إذ هي محتاجة إلى الموضوع أو المادّة في الوجود أو التشخّص قائمة بالمادّة أو بالمركّب من المادّة وحينئذ فقوّة فسادها في جوهر مادّتها لا في جواهر أنفسها ، ولذلك تقبل الفساد ، وكذا قوّة فسادها ليست من جهة بساطتها في ذواتها ، بل من جهة قيامها بالمادّة أو بالمركّب من المادّة.
وبالجملة فليس أمر النفس كأمر تلك الأعراض والصور ، إذ النفس مع بساطتها في ذاتها غير قائمة بالمادّة ولا بالمركّب من المادّة وهي أصل في القيام والوجود ، وتلك الأعراض والصور ليست كذلك.
ثمّ قال : والبرهان الذي يوجب أنّ كلّ كائن فاسد من جهة تناهي قوّة البقاء والبطلان ، إنّما يوجب فيما هو كائن من مادّة وصورة ، ويكون في مادّته أن يبقى فيه تلك الصور ، وقوّة أن تفسد هي منه معا تكملة لما ذكره فيما تقدّم ، وبيانا كلّيا لوجه إمكان فساد ما يمكن أن يفسد وما لا يمكن أن يفسد ، فبيّن أنّ كلّ ما هو مركّب من مادّة وصورة أو قائم بالمركّب منهما ، وبالجملة له مادّة في ذاته أو في قيامه وفي مادّته قوّة أن تبقى فيها صورته وقوّة أن تفسد ، أمكن أن تفسد صورته فيفسد المركّب أيضا ، وما ليس كذلك فليس كذلك ، فأشعر بأنّ غير الكائنات الفاسدات من الأجسام كالفلكيّات منها عندهم ، إنّما لا تفسد لأجل أن ليس في مادّتها قوّة الفساد ، وكذلك صورها ليست من شأنها أن تزول عنها ، ولا ينافي ذلك كونها مركّبة وغير أصل ، لأنّا قلنا إنّ البساطة والأصالة تكونان منشأين لعدم قبول الفساد ، ولا يلزم منه أن يكون كلّ ما هو منشأ لذلك هذين السببين ، بل يمكن أن يكون ذلك بسبب آخر غيرهما كما في الأفلاك. وهذا غاية توجيه كلام الشيخ