لكونه معدوما مطلقا بالفرض ، إلّا أنّ هذه القضية التي حكمنا فيها بأنّ المعدوم المطلق لا يخبر عنه ، سواء عبّرنا عن الحكم بالحكم الإيجابي أو الحكم السلبي ، وعبّرنا عن المحمول فيها بالأمر السلبي كما ذكرنا أو نحو ذلك ، من نحو قولنا : المعدوم المطلق ليس يجوز ، أو ليس يصحّ الإخبار عنه ، أو الحكم عليه ، أو بالأمر الإيجابي أو بالأمر العدولي كما في قولنا : المعدوم المطلق غير مخبر عنه ، أو ممّا لا يخبر عنه ، أو ممّا يمتنع الإخبار عنه ، أو نحو ذلك ، قد قصدنا فيه سلب الإخبار عنه ، إذ هو الغرض ، لا إثبات امتناع الإخبار ، أو عدم الإخبار ، وإن عبّرنا به ، وحيث كان المقصود ذلك فلا يقتضي هذا السلب وجود الموضوع في الواقع ، بل إنّما يقتضي وجوده في الذهن فقط ، كما هو مقتضى الحكم السلبي ، وحيث فرضناه معدوما مطلقا ، فالموجود في الذهن منه سواء قلنا بوجود الأشياء بأعيانها في الذهن ، أو بأشباحها وأمثالها وصورها فيه ، ليس هو ماهيّة المعدوم المطلق ، إذ لا ماهيّة ولا وجود واقعيّا له ، وكذا ليس هو صورة وشبحا ومثالا له يطابقه من بعض الوجوه وإن كان يخالفه من بعض الوجوه الاخر ، كما في الصورة الذهنية للأشياء الواقعيّة ، حيث لا واقعيّة للمعدوم المطلق أصلا ، بل إنّما هو الصورة التي اخترعها النفس وفرضتها المعدوم المطلق لكنّه ليس ماهيّته ولا شبحه بوجه من الوجوه.
وحيث كان الأمر كذلك فلا تناقض في هذه القضية من جهة أنّا حكمنا بكون المعدوم المطلق ممّا لا يصحّ الإخبار عنه أصلا لا إيجابيّا ولا سلبيّا. ومع هذا قد حكمنا بالإخبار السلبي عنه لأنّ الحكم الأوّل إنّما هو على حقيقة المعدوم المطلق وماهيّته أو شبحه ، والحكم الثاني على أمر آخر سوى ذلك فرضناه معدوما مطلقا واخترعناه في الذهن ، فالموضوع في الحكمين مختلف ، وحيث كان مختلفا فلا تناقض ، إذ من شروطه وحدة الموضوع.