الاختلاف في كيفيّته ، فذهب جمهور المتكلّمين وعامّة الفقهاء إلى أنّه جسماني فقط ، بناء على أنّ الروح جرم لطيف سار في البدن ، وجمهور الفلاسفة على أنّه روحاني فقط ، وذهب كثير من الحكماء المتألّهين ومشايخ العرفاء في هذه الملّة إلى القول بالمعادين جميعا. أمّا بيانه بالدليل العقلي فلم أر في كلام أحد إلى الآن ، وقد مرّ البرهان العرشي على أنّ المعاد بعينه هو هذا الشخص الإنساني روحا وجسدا بحيث لو يراه أحد عند المحشر يقول : هذا فلان الذي كان في الدنيا ، فمن أنكر هذا فقد أنكر ركنا عظيما من الإيمان ، فيكون كافرا عقلا وشرعا ، ولزمه إنكار كثير من النصوص. ـ انتهى كلامه.» (١)
وقال أيضا :
«الإشراق التاسع في سبب اختلاف الناس في كيفيّة المعاد : اعلم أنّ اختلاف أصحاب الملل والديانات في هذا الأمر وكيفيّته ، إنّما هو لأجل غموض هذه المسألة العويصة ودقّتها ، وكثير من الحكماء كالشيخ الرئيس ومن في طبقته ، أحكموا علم المبادئ ، وتبلّدت أذهانهم في كيفيّة المعاد ، حتّى رضيت انفسهم بالتقليد في هذه المسألة المهمّة ، لغموضها حتّى أنّ الكتب السماويّة المحكمة متشابهة آياتها في بيان هذا المعنى ، مختلفة بحسب الجليل من النظر ، متوافقة بحسب النظر الدقيق.
ففي التوراة : إنّ أهل الجنّة يمكثون في النعيم عشرة آلاف سنة ، ثمّ يصيرون ملائكة ، وإنّ أهل النار يمكثون في الجحيم كذا أو أزيد ، ثم يصيرون شياطين. (٢)
وفي الإنجيل : إنّ الناس يحشرون ملائكة ، لا يطعمون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتوالدون. (٣)
وفي بعض آيات القرآن : إنّ النّاس يحشرون على صفة التجرّد والفردانيّة كقوله تعالى : (كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً). (٤)
وكقوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ). (٥)
وفي بعضها على صفة التجسّم كقوله تعالى : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ). (٦)
__________________
(١) الشواهد الربوبيّة : ٢٧٩ ـ ٢٨٠.
(٢) الشواهد الربوبيّة : ٢٧٩ نقلا عن التوراة.
(٣) الشواهد الربوبيّة : ٢٧٩ نقلا عن الإنجيل.
(٤) مريم : ٩٥.
(٥) الأعراف : ٢٩.
(٦) القمر : ٤٨.