ولا سترة في أنّه لا يمكن أن يستدلّ الإنسان بفعل ما على فاعل معيّن هو ذاته ، وإن كان مأخوذا من حيث كونه فعلا خاصّا ، وكونه فعلا لفاعل معيّن ومنسوبا إليه ، فالفاعل المعيّن من حيث اعتباره وملاحظته في ذلك الفعل الخاصّ ، وكونه جزءا من مفهومه من حيث هو هذا الفعل الخاصّ ، يجب أن يكون معلوما قبله. ولا أقلّ من أن يكون معلوما معه لا بعده ، كما هو في الاستدلال بالفعل على الفاعل. ولا سترة أيضا في أنّه لا يمكن أن يستدلّ الإنسان بفعله الخاصّ ، الذي خصوصيّته من جهة أنّه منسوب إليه وهو جزء من مفهوم هذا الفعل وملحوظ فيه ، على ذاته التي هي الفاعل المعيّن هنا ؛ لأنّ ذاته في هذا الاستدلال يجب أن تكون معلومة قبل هذا الفعل ، ولا أقلّ من أن تكون معلومة معه. وكيفما كان ، فلا تكون معلومة بعده ، كما هو مقتضى الاستدلال.
وحيث عرفت ذلك ، عرفت أنّه لا يمكن أن يستدلّ الإنسان بفعله مطلقا على ذاته المعيّنة المخصوصة استدلال إنّ. ومن المعلوم أيضا أنّه لا يمكن الاستدلال اللمّيّ هنا أيضا ، أي الاستدلال على ذاته بعلل ذاته ، لأنّ وجود ذاته له أظهر عنده من وجود علله وعلل ذاته ، فلا يمكن له أن يستدلّ عل ذاته استدلالا مطلقا إنيّا ولا لميّا فتبصّر.
فإن قلت كيف يصحّ ما ادّعيت من نفي الاستدلال ، والحال أنّ ما ذكره الشيخ في الفرض المذكور تنبيها على إدراك الإنسان ذاته ، وإثبات إنّيّتها في قوّة القياس على هيئة الشكل الثاني هكذا : إنّا لا نغفل عن ذواتنا في حالة من الحالات ، وكلّ ما هو غير ذاتنا (١) من البدن وأعضائه وأجزائه وأعراضه والأشياء الخارجة ، فإنّا قد نغفل عنه ، ينتج أنّ ذاتنا (٢) شيء موجود وليست شيئا من هذه.
قلت : سلّمنا ذلك ، لكنّا نقول : إنّ هذه النتيجة بديهيّة ، وإنّ هذا القياس البديهيّ بمقدّمتيه ، أعني صغراه وكبراه كما تبيّن بداهتهما في الفرض المذكور ، تنبيه عليها ، لا حجّة عليها حتّى تكون كسبيّة ، ولا منافاة بين أن تكون مقدّمة بديهيّة وأن يكون هنا
__________________
(١) ذواتنا خ ل.
(٢) ذواتنا خ ل.