«وهم وتنبيه ،
ولعلّك تقول إنّما أثبتّ ذاتي بوسط من فعلي ، فيجب أن يكون لك فعل تثبته في الفرض المذكور ، أو حركة أو غير ذلك. ففي اعتبارنا الفرض المذكور ، جعلناك بمعزل عن (١) ذلك ، وأمّا بحسب الأمر الأعمّ ، فإنّ فعلك إن أثبتّه فعلا مطلقا ، فيجب أن تثبت به فاعلا مطلقا ، لا خاصّا هو ذاتك بعينها. وإن أثبتّه فعلا لك فلم تثبت (٢) به ذاتك ، بل ذاتك جزء من مفهوم فعلك من حيث هو فعلك ، فهو مثبت في الفهم قبله ، ولا أقلّ من أن يكون معه لا به ، فذاتك مثبتة لا به» انتهى.
وتحريره : أنّه عسى أن يذهب وهم أحد إلى أنّ إثبات الإنسان ذاته ونفسه في هذا الفرض ليس أوّليا ، بل إنّه يفتقر إلى وسط ، وهو فعله في هذا الفرض المذكور. أي أنّه كسبيّ يستفاد من ذلك الفعل ، والعلم به نظير برهان الإنّ ، أي الدليل الذي فيه يستدلّ على العلّة بمعلولها ، وعلى المؤثّر بأثره ، كما أنّ أكثر القوى تثبت بأفعالها وآثارها.
وهذا الوهم باطل من وجهين :
احدهما ـ وهو الوجه الخاصّ بهذا الفرض ـ هو أنّ الإنسان في الفرض المذكور لم يكن له فعل ، حتّى يمكن له أن يستدلّ به على ذاته ، بل كان غافلا عن أفعاله مع إدراك ذاته.
ولو فرضنا أنّه صدر عنه في الفرض المذكور فعل أيضا ، فهذا الفعل ـ وإن كان في بادئ النظر فعلا ـ لكنّه في التّحقيق ترك كلّ فعل. ومع ذلك فهذا الترك أيضا ليس منشأ لإثبات الذات ، بل هو كاشف عن ثبوتها في الواقع ، فمن أين يحصل فيه الاستدلال بالفعل على الفاعل؟
والثاني ـ وهو الوجه العامّ لهذا الموضع ولغيره ـ أنّه على تقدير تسليم كون ذلك فعلا أيضا ، أنّ الفعل الذي يستدلّ به على الفاعل ، إن كان مأخوذا من حيث كونه فعلا ما ، وفعلا مطلقا من غير اختصاصه بفاعله الخاصّ ، فهو لا يكون دليلا إلّا على فاعل ما غير معيّن ،
__________________
(١) في المصدر : من ذلك ...
(٢) يثبت.