الإنسان مغايرة لنفسه ، لجريان نظير هذا البيان فيه ، كما عرفت ؛ والحال أنّ ذات الإنسان عين نفسه عندهم.
وأمّا الثاني ـ وإن كان بعيدا عن كلام الإمام ـ فبأن يقال : إنّا سلّمنا أنّ الإنسان في الفرض المذكور لا يغفل عن ذاته ، ويغفل عن أعضائه ، وأنّ ذلك دليل على المغايرة ، أي مغايرة ذاته لأعضائه. لكون المعلوم مغايرا لما ليس بمعلوم ، إلّا أنّا لا نسلّم أنّ ذاته المعلومة عين نفسه ـ كما ادّعاه الشيخ وقالوا به ـ إذ لا دليل هنا على هذا الاتّحاد وهذه العينيّة ، بل الدليل قائم على خلافه ، وهو نظير الدليل على مغايرة ذاته لأعضائه ، إذ الإنسان لا يغفل عن ذاته في جميع الأحوال ، ومع ذلك قد لا يخطر بباله تصوّر النفس التي يقولون بها.
وأمّا تحرير الجواب عن هذا الوهم على جميع التقارير الثلاثة ، فواضح كما ذكره المحقّق الطوسيّ (ره) ، وبيانه : أن لا سترة في أنّ المراد بذات الإنسان ، ذاته المدركة المحرّكة المعلومة له في جميع الأحوال.
فالإمام إن أراد بالنفس التي يقولون بها هذا المعنى ، كما هو مرادهم بها ، فظاهر أنّ الإنسان كما لا يغفل عن ذاته في شيء من الأحوال ، لا يغفل عن نفسه بالمعنى المذكور الذي أراده القوم والشيخ ، لكونهما واحدة ، ولا مغايرة بينهما أصلا في المعنى.
وإن أراد بالنفس معنى آخر ادّعى هو الغفلة عنه ومغايرته للذات ، فهو شيء لم يقل به الشيخ ولا أحد من القوم ، كما يعلم من تتبّع كلامهم.
ومن تلك الأوهام ، ما ذكره الشارح القوشجيّ في «شرح التجريد» في هذا المقام ، وأورد عليه النظر ؛ قال (١) : وردّ ذلك بأنّ ذات الإنسان عندنا هي الأجزاء الأصليّة الجسمانيّة التي هي أجزاء (٢) لبدنه ، ولا نسلّم أنّه يغفل عنها ، بل إنّما يغفل عن الأجزاء الفضليّة ، وعن الأعراض والقوى الحالّة فيها.
__________________
(١) شرح التجريد ٢٢٢ ، للقوشجي.
(٢) في المصدر : هي جزء لبدنه.