وجعله صدر الأفاضل حجّة اخرى ، بل حجّتين على تجرّدها لا يمكن أن يكون منشأ لذلك ، لأنّه وإن دلّ على تجرّدها باعتبار أنّه يدلّ على كونها ثابتة للإنسان بذاته ، مدركة له في جميع الأحوال ، مغايرة للبدن وجسميّته وأجزائه ومزاجه وأعراضه وأعضائه وقواه ، ولكلّ ما يمكن أن يدرك بأحد الحواسّ الظاهرة أو الباطنة ، وأنّ الذات الكذائيّة لا تكون إلّا مجرّدة عن المادّة كما بيّناه سابقا ؛ إلّا أنّ هذا ليس مشتركا بين الإنسان وغيره من الحيوان ، حيث إنّ ثبوت تلك الحالة ، أي إدراك الذات بالذات ، والغفلة عن كلّ ما سواها ، وإن كان معلوما في الإنسان ، لكنّه غير معلوم في غيره من أفراد الحيوان ، وإن لم يكن انتفاؤه أيضا فيه معلوما.
وظاهر أيضا أنّ البراهين التي أقاموها على تجرّد النفس الإنسانيّة من جهة الإدراكات الكليّة العقليّة ونحو ذلك من الوجوه التي هي مختصّة بالإنسان ـ كما ذكر صدر الأفاضل نبذا منها ـ وإن دلّت عل تجرّدها ، لكنّها ليست مشتركة بين الإنسان وغيره من الحيوان ، كما سيأتي بيانه فيما بعد في مقام إثبات تجرّد النفس الإنسانيّة. والحال أنّه ليس هنا دليل أو برهان غير ما ذكر يمكن أن يجعل دليلا على تجرّدها ، ومع ذلك يكون مشتركا بينهما كما يعلم من تصفّح أدلّتهم التي أقاموها على ذلك وبذلوا جهدهم فيها.
والحاصل أنّ ما يدلّ على التجرّد ، فهو ليس بمشترك بينهما ، وما هو مشترك فليس يدلّ على التجرّد ، فمن أين حصل لهم الظنّ المذكور؟ حتّى اضطرّوا إلى ما التزموه ، فتارة أنكروا بقاء الذات فيما سوى الإنسان ، وتارة أثبتوا لغيره أيضا نفسا عقلانيّا.
فإن قلت : إذا لم تكن النفس الحيوانيّة من حيث هي حيوانيّة مجرّدة أصلا ، فليس يمكن بقاؤها ، بل تكون فانية دائرة ، كالبدن وأجزائه ، حيث إنّ الادلّة التي تدلّ على بقاء النفس كلّها مبنيّة على تجرّدها ، كما عرفت بيانه فيما سلف من الأبواب. وعلى هنا ، فبأيّ طريق يمكن تصحيح المعاد في الحيوان وحشره ، كما نطق به الشرع الشريف ، والحال أنّ إعادة المعدوم ممتنعة؟
قلت : معاد الحيوان ليس ضروريا فى الدين كمعاد الإنسان ، حيث إنّ الآيات الواردة