ومنهم (١) من منع أن يكون النفس جسما ، فجعله (٢) جوهرا غير جسم محرّكا (٣) لذاته.
ومنهم من جعلها جسما وطلب الجسم المتحرّك لذاته (٤).
فمنهم من جعل ما كان من الأجرام التي لا تتجزّى كرويّا ليسهل دوام حركته ، وزعم أنّ الحيوان يستنشق ذلك بالتنفّس ، وأنّ التنفّس غذاء للنفس ، وأنّ النفس يستبقى (٥) به النفس بإدخال بدل ما يخرج من ذلك الجنس من الهباء التي هي الأجرام التي لا تتجزّى التي هي المبادي ، وأنّها متحرّكة لذاتها (٦) ، كما يرى من حركة الهباء دائما في الجوّ ، فلذلك صلحت لأن تحرّك غيرها.
ومنهم من قال : إنّها ليست هي النفس ، بل إنّ محرّكها هو النفس وهي فيها ، وتدخل البدن بدخولها.
ومنهم من جعل النفس نارا ، ورأى أنّ النار دائم (٧) الحركة.
وأمّا من سلك طريق الإدراك :
فمنهم من رأى أنّ الشيء إنّما يدرك ما سواه ، لأنّه متقدّم عليه ومبدأ له ، فوجب أن يكون (٨) النفس مبدأ ، فجعلها من الجنس الذي كان يراه إمّا نارا أو هواء أو أرضا أو ماء. ومال بعضهم إلى القول بالماء لشدّة رطوبة النطفة التي هي مبدأ التكوّن ، وبعضهم جعلها جسما بخاريّا ، إذ كان يرى أنّ البخار مبدأ الاشياء على حسب المذاهب التي عرفتها. وكلّ هؤلاء كان يقول إنّ النفس إنّما تعرف الأشياء كلّها ، لأنّها من جوهر المبدأ لجميعها ، وكذلك من يرى (٩) أنّ المبادي هي الأعداد ، فإنّه جعل النفس عددا.
ومنهم من رأى (١٠) أنّ الشيء إنّما يدرك ما هو شبيهه ، وأن المدرك بالفعل شبيه المدرك بالفعل ، فجعل النفس مركّبا من الأشياء التي يراها عناصر ، وهذا انباذقلس (١١) ، فإنّه قد جعل النفس مركّبة من العناصر الأربعة ومن المحبّة والغلبة ، وقال : إنّما يدرك (١٢) النفس كلّ شيء يشبهه (١٣) فيها.
__________________
(١) في المصدر : فمنهم ...
(٢) فجعلها ...
(٣) متحرّكا ...
(٤) بذاته ...
(٥) تستبقي ...
(٦) بذاتها ...
(٧) دائمة ...
(٨) تكون ...
(٩) يراه المبدأ ، إمّا ...
(١٠) رأى ...
(١١) انبادقليس ...
(١٢) تدرك ...
(١٣) بشبيهه.