يجانسه ، فرجعت الروح الإنسانيّة إلى البدن ، ورجعت الروح الحيوانيّة أيضا إليه بتبعيّتها ، فسكنت في بدن صاحبها ، وبقيت علاقتها بالبدن وبمطيّتها كما كانت أوّلا. وإن لم يأذن الله عزوجل بردّ تلك الروح على صاحبها ، جذب الهواء الريح ـ أي الروح الحيوانيّة ـ جذب المجانس لما يجانسه ، فجذبت الريح الروح جذب المطيّة لراكبها ، فلم تردّ على صاحبها إلى وقت ما يبعث. وهذا الذي ذكرنا هو ، ـ والله أعلم ـ وجه التأويل في هذا الحديث الشريف.
ومنه يعلم وجه التأويل في الحديث الثاني أيضا ، فإنّ قوله عليهالسلام فيه : «والروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا» لعلّه أراد به ، أنّ الروح ـ أي الروح الحيوانيّ ـ جسم لطيف كما وصفناه ، قد ألبس قالبا كثيفا ، وجعل ذلك القالب متعلّقا له نوع تعلّق. وأنّ ذلك القالب الكثيف هو البدن ، وهو ـ خصوصا أعضاؤه الرئيسة كالقلب والدماغ والكبد ـ معدن لتولّد ذلك الروح الحيوانيّ ، وأنّ تعلّق الروح الإنسانيّة التي هي جوهر مجرّد عن المادّة ، إنّما يكون أوّلا بذلك الجسم اللطيف ، وبتوسّطه بالبدن.
وبما ذكرنا يتّضح شرح باقي الحديث الشريف ، إلّا أنّه حيث كانت فيه إشارات إلى امور ، فلا بأس أن نبيّنها.
فنقول : إنّ قوله عليهالسلام فى جواب سؤال السائل : «فأين الروح؟»
إشارة إلى أنّه إذا مات الإنسان وفني بتلاشي أعضائه وتفرّق أجزائه ، يبقى الروح ، أي ذلك الجسم اللطيف ، بمادّته بل بصورته أيضا ، في بطن الأرض ، أي في قبره ، وحيث مصرع بدنه ومسقط الأجزاء البدنيّة منه إلى وقت البعث. وأنّه لا امتناع في ذلك ، فإنّ ذلك الجسم اللطيف ليس عرضا قائما بموضوع ، أي البدن ، حتّى يكون فناء موضوعه وتلاشي أجزائه موجبا لانعدامه كما هو شأن العرض ، بل هو جوهر قائم بذاته ، وإن كان معدن تولّده أجزاء البدن كلّها أو بعضها. فإنّه ليس يلزم من انعدام معدن التولّد انعدام ما يتولّد منه الذي هو جوهر قائم بذاته ، بل يمكن أن يكون ما يتولّد منه باقيا ومتعلّقا نوع تعلّق بالمادّة البدنيّة ، كما دلّ عليه قوله عليهالسلام في الحديث.