وهذا كما أنّ النفس الإنسانيّة المجرّدة ، التي هي متعلّقة بالبدن تعلّق تدبير وتصرّف ، حيث كانت جوهرا قائما بذاته ، لا يلزم من انعدام متعلّقها ـ أي البدن ـ انعدامها ؛ بل هي باقية بعد خرابه ، كما دلّت عليه الأدلّة والنصوص على ما أسلفنا بيانها. بل إنّه ربّما دلّ الدليل على بقاء تعلّقها أيضا ـ نوع تعلّق ـ بالبدن من حيث المادّة البدنيّة وأجزائه الأصلية الباقية التي تدلّ على بقائها النصوص الكثيرة ، على ما مضى بيانها. ويدلّ عليه آخر هذا الحديث أيضا ، وكذا من حيث بقاء هذا الجسم اللطيف الذي هو من البدن أيضا ، ويدلّ على بقائه هذا القول منه عليهالسلام.
وبيان ذلك الدليل الدالّ على بقاء تعلّقها كذلك ، أنّ تعلّق النفس الإنسانيّة بالبدن لمّا كان من جهتين : من جهة الصورة البدنيّة ، ومن جهة مادّته. فحيث بطلت الصورة البدنيّة بخراب البدن ولم تبطل المادّة ، يلزم منه بقاء تعلّقها به من الجهة الثانية ، وإن كان بطل تعلّقها به من الجهة الاولى. وكذلك حيث كان تعلّقها أوّلا وبالذّات بذلك الجسم اللطيف الذي في البدن ، وثانيا وبالواسطة بالبدن كلّه ؛ وكان المفروض بقاء ذلك الجسم اللطيف ، يلزم منه بقاء تعلّقها به في الجملة ، وإن لم يكن هو في ضمن البدن بصورته.
وممّا ذكرنا يظهر سرّ ما ورد من زيارة القبور ومصارع الأبدان والدعاء فيها. فتبصّر.
وقول عليهالسلام في جواب سؤال السائل : «فمن صلب فأين روحه؟».
إشارة إلى أنّ مقبوض الملك الذي هو قابض الأرواح ، إنّما هو ذلك الجسم اللطيف ، وينبغي أن يحمل على أنّه هو المقبوض أوّلا ، وأنّ النفس الإنسانيّة المجرّدة مقبوضة بتوسّطه ، حيث إنّها متعلّقة أوّلا وبالذات بذلك الجسم اللطيف ، وبتوسّطه بالبدن كلّه. فإذا قبض هو ، كانت هي مقبوضة أيضا ومنقطعة علاقتها عن البدن الذي كان هو معه أو فيه انقطاعا من حيث الصورة البدنيّة ، وإن كان تبقى علاقتها به من حيث المادّة والأجزاء الأصليّة الباقية ، ومن حيث ذلك الجسم اللطيف الباقي ، كما عرفت بيانه.
وكذلك في هذا القول منه عليهالسلام إشارة إلى أنّ الإنسان ، سواء كان مصلوبا أم غيره وسواء كان مأكول السباع أم غيره ، وسواء كان مدفونا أم غيره ؛ فهذا الجسم اللطيف