وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١) ، أي أنّه أهون عليه في ظاهر الحال وبالنظر إلى ما يراه القادرون ـ غيره تعالى ـ بالنسبة إلى مقدوراتهم ، وإن كانت قدرته تعالى لا يختلف حالها في الواقع ، بالقياس إلى مقدوراته بالأهونيّة وغيرها.
ثمّ انّ ما ذكره عليهالسلام في الإيضاح ، إشارة تفصيليّة ، فيها بيان الأمر الباقي من الإنسان ، من روحه وأجزاء بدنه بعد خراب بدنه ، وكذا بيان كيفيّة البعث.
وبيان الأوّل : أنّ الروح ، أي ذلك الجسم اللطيف ، باقية بعد خراب البدن ، مقيمة في مكانها الذي قدّره الله تعالى لها ، أي في مصرع بدنه ومسقط أجزائه ، أو فيما أودعه الملك بإذن الله تعالى ، روح المحسن في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة. وينبغي أن يحمل على أنّ النفس الإنسانيّة المجرّدة أيضا باقية متعلّقة نوع تعلّق بذلك الجسم اللطيف ، مقيمة معه نوع إقامة في ذلك المكان ، إمّا في ضياء وفسحة كما في المحسن ، أو في ضيق وظلمة كما في المسيء ، ولعلّه عليهالسلام لم يذكره ، لأنّه لم ير مصلحة في تحقيق حقيقة المجرّد وبيان أحواله وصفاته وخواصّه لذلك السائل ، حيث كان هو الزنديق الذي لم يكن من أهل العلم ، ولم يكن يتيسّر له فهم هذه المعاني. بل ربّما كان بيان ذلك له موجبا لزيادة غباوته وعناده وبعده عن الحقّ. وكأنّه لذلك قال تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (٢) بناء على ما فسّره بعض المفسّرين. حيث إنّهم سألوه عن حقيقة الروح المجرّدة الإنسانيّة التي تدبّر بدن الإنسان وبها حياته ، وعن أحوالها وصفاتها ، فأجيبوا بأنّها أبدعت وأنشأت من أمر الله تعالى ، إشعارا بأنّهم ليسوا ممّن يتيسّر لهم علم ذلك ، كما قال تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٣) بل إنّما ينبغي لهم أن يعلموا أنّها من أمر الله تعالى ومن مبدعاته ، مع الإيذان بتجرّدها عن المادّة أيضا ، أي كونها من الإبداعيّات الكائنة من غير مادّة وتولّد من أصل ، كأعضاء جسد الإنسان.
__________________
(١) الروم / ٢٧.
(٢) الإسراء / ٨٥.
(٣) الإسراء / ٨٥.