مستديرة حتّى يخلق منها كما خلق أوّل مرّة (١). وأنّ كلّ طينة خلق منه الإنسان يدفن فيها ، وأنّ النّطفة إذا استقرّت في الرّحم بعث الله تعالى ملكا يأخذ من تراب المكان الذي يدفن ذلك الإنسان فيه ، فيأخذه ويخلطه بتلك النطفة ، فيخلق الإنسان من تلك النطفة المخلوطة بذلك التراب. وإذا اقترب أجله يذهب إلى أن يجيء إلى ذلك المكان. فيموت ويدفن فيه (٢). وهذه النطفة مستديرة في القبر ، وتبقى إلى أن يخلق الإنسان منها مرّة اخرى ، ويشهد به قوله تعالى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) (٣).
وبالجملة ، إذا صار جسد الإنسان ترابا ، يصير ترابا منه خلق أوّلا ، وإن بني به من الطين حائط ؛ وهو المراد ببقاء الأجزاء الأصليّة من بدنه ، وأنّ ما يقذف به السباع والهوامّ من أجوافها ممّا أكلته ومزّقته ، وكذلك ما احرق وصار رمادا مثلا ونحو ذلك ، فهو أيضا يصير ترابا كذلك. وكلّ ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها ؛ وأنّ تراب الروحانيّين بمنزلة الذهب فى التراب ، على معنى أنّ ذلك التراب متميّز في الواقع في ضمن جملة التراب ، إلّا أن تراب الروحانيّين ـ أي الأبرار ـ من البشر ، بمنزلة الذهب في التراب ، وإن كان تراب غيرهم بمنزلة غير الذهب ، كالنحاس والصفر مثلا في التراب متميّزا أيضا ، أو أنّ تراب من هو ذو روح ، أي البشر مطلقا ، بمنزلة الذهب في التراب من جهة تميّزه في ضمن التراب في الواقع.
وأمّا بيان الثاني ، أي كيفيّة البعث ، فهو إنّه إذا كان حين البعث ، مطرت الأرض بإذن الله تعالى مطر النّشور ، فتربو الأرض ، ثمّ تمخض مخض السقاء ، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، وكمصير الزبد من اللبن إذا مخض ، فيجمع تراب كلّ قالب ، فينتقل بإذن الله تعالى القادر إلى حيث الروح ، فتعود الصور بإذن المصوّر
__________________
(١) بحار الأنوار ٦٠ / ٣٥٨ عن الكافي.
(٢) تفسير الصافي ٣ / ٣١٠ ؛ بحار الأنوار ٦٠ / ٣٣٧ و٣٣٨ عن الكافي.
(٣) طه / ٥٥.