ـ تعالى شأنه ـ كهيئتها أوّلا. أي فتفاض على ذلك التراب الصور مرّة اخرى ، مشابهة للصور الاولى ومماثلة لها ، ويلج الروح فيها. أمّا الروح الحيوانيّة ، فبإدخالها فى ذلك الجسد ، وأمّا الرّوح الإنسانيّة ، فبإعادة تعلّقها به مرّة اخرى كما كان أوّلا ، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا ، ويعلم أنّه حين البعث هو الذي كان قبل حين البدء ، من غير تغاير في ذاته ، لا في ترابه وأجزائه الأصليّة ، ولا في روحه الحيوانيّة ، ولا في روحه الإنسانيّة ؛ وإن كانت المغايرة في أجزائه الفضليّة الفرعيّة وفي صورته وهيئته حاصلة ، فإنّ هذه المغايرة لا دخل لها في اختلاف الذات ، مع اتّحاد ما هو الأصل في اتّحاد الذات ، وهو باق في الحالتين ، أي أجزائه الأصليّة البدنيّة وروحه الإنسانيّة والحيوانيّة ، وكذا مع مماثلة الهيئة والصورة الثانية للاولى.
وبذلك يتّضح كيفيّة البعث والحشر والنشر ، ويتّضح تفسير آيات واردة في ذلك.
كقوله تعالى :
(هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١)
وقوله تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) (٢)
وقوله تعالى : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣)
وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٤)
وقوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ
__________________
(١) الأعراف / ٥٧.
(٢) الأعراف / ٥٨.
(٣) الروم / ٥٠.
(٤) سبأ / ٣.