بها ، لا بالعكس ، وهي أيضا مكمّل النوع وصانعه ، فإنّ الأشياء المختلفة الأنفس ، تصير بها مختلفة الأنواع ، ويكون تغايرها بالنوع لا بالشخص. فالنّفس إذن ليست من الأعراض التي لا يختلف بها ، ولا يكون لها مدخل في تقويم الموضوع. فالنّفس اذن كمال كالجوهر لا كالعرض ، إلّا أنّه ليس يلزم من هذا أن يكون مفارقا أو غير مفارق ، فإنّه ليس كلّ جوهر بمفارق ، فلا الهيولى بمفارقة ولا الصورة. وقد علمت أنّ الأمر كذلك. انتهى ما ذكره الشيخ في هذا المقام بتحريره ، وبذلك تمّت الدلالة على جوهريّة النفس الأرضيّة بأنواعها ، إلّا أنّه لمّا لم يستلزم الدلالة على تجرّد ما هو مجرّد عن المادّة من تلك الأنواع ، أعني النفس الناطقة الإنسانيّة كما ذكره الشيخ ، وكان ذلك أيضا هو المقصود هنا ، بل المقصد الأسنى والمطلوب الأقصى الذي هو مختلف فيه بين المتكلّمين والحكماء ، ويتفرّع عليه أحكام اخرى ومقاصد لا تحصى ، كما لا يخفى على اولى النّهى ؛ فحريّ بنا أن نتكلّم فيه تكلّما وافيا شافيا ، عسى أن يرتفع به حجاب الإبهام عن وجه المدّعى ، ويتّضح منهج الرشاد وطريق الهدى.
فنقول ، وبالله التوفيق : إنّ الذين قالوا بتجرّد النفس الناطقة الإنسانيّة ومفارقتها عن المادّة ، وإن اقاموا عليه أدلّة كثيرة وحججا عديدة تترى من وجوه متكثّرة وطرق شتّى ، إلّا أنّا نذكر من تلك الأدلّة ما هو واضح السبيل ، يكفي لدى المنصف المسترشد المستبصر لشفاء العليل ، ولرواء الغليل. ولنقدّم قبل الخوض في المقصود ذكر نبذ من خواصّ الأفعال والانفعالات التي للإنسان ، وبيان قوى النظر والعمل التي للنفس الإنسانيّة على سبيل الإجمال ، مقدّمة للدليل على ما هو المقصود ، موافقا ل «الشفاء» وغيره من كتب العلماء ؛ فنقول : لا يخفى عليك أنّ للإنسان خواصّ أفعال تصدر عن نفسه ليست هي موجودة لسائر الحيوانات.
منها ، أنّه لمّا كان الإنسان في وجوده المقصود منه ، يجب أن يكون غير مستغن في بقائه عن المشاركة ، ولم يكن كسائر الحيوان الذي يقتصر كلّ واحد منها في نظام معيشته على نفسه وعلى الموجودات في الطبيعة له. وأمّا الإنسان الواحد ، فلو لم يكن في الوجود