الشخصيّة ولصلاح حال الشخص ، بل للضرورة النوعيّة فقط ، بدليل أنّها لو كانت لصلاح حال الشخص ، لكانت ممّا تختلف ولو اختلافا ما ، مع أنّ أحوال الأشخاص من حيث هي أشخاص مختلفة جدّا.
ثمّ إنّه حيث كان حال الإنسان ما ذكر ، وكان يحتاج في ضرورات معاشه وبقاء نوعه وصلاح حال شخصه إلى بني نوعه الذين يجتمعون في مكان واحد ومساكن متقاربة ، يعمل كلّ فرقة منهم عملا ، فيتعاونون ويتعاضدون ويتعاوضون أعمالهم ويتبادلون صنائعهم ، فيقع بينهم المعاملات في مساعيهم ، وكان هذا الاجتماع إنّما ينتظم إذا كان بينهم عدل في المعاملات يتّفق الجميع عليه ، لأنّ كلّ واحد يشتهي ما يحتاج إليه ، ويغضب على ما يزاحمه ، وأكثر الناس لا يكتفي بحقّه ، ولا يجتزي بحظّه ، بل كلّ إنسان يطمع في نصيب غيره ، ولا ينصف من نفسه ، ويرى ما له عدلا وما عليه ظلما ، فيؤدّي ذلك بينهم إلى التباغض والتحاسد والتنازع والتعاند ، فيقع الجور ويختلّ أمر الاجتماع. وكان العدل لا يتناول الجزئيّات الغير المحصورة ، بل لا بدّ له من قوانين كلّية مصونة عن الخطاء ، يقرّرها مقنّن وسانّ معدّل عدل حكيم ، احتاج الإنسان لبقاء نوعه وضرورة معاشه وصلاح حاله ـ أشدّ احتياج ـ إلى واضع لتلك القوانين شارع لها مبعوث من الله تعالى ، يكون هو من نوع الإنسان بحيث يخاطب الإنسان ، ويلزمهم التكاليف ، ويسنّ للناس في امورهم سننا بإذن الله تعالى ووحيه ، يرجعون هم إليها وإليه في معاملاتهم ، وإلى رئيس لهم يعلم حقائق أعمالهم ودقائق أفعالهم ومقادير أجورهم وموازي صنائعهم ، ويقدر على إحقاق حقوقهم وإيصال حظوظهم ، وعلى تأديبهم وسياستهم ؛ ويكون إنسانا عظيم المنزلة جليل الرتبة ينبغي له هذه المرتبة على الإطلاق وتليق به بالاستحقاق ، لئلّا يسع أحدا مخالفته ويلزم مطاوعته ، وهو النبيّ عليهالسلام ، وهذا أحد أسباب الاحتياج إليه عليه الصلاة والسلام في كلّ عصر وزمان ، وإن كانت أسباب الاحتياج إليه كثيرة يكاد يخفى على أذهاننا دركها ، وما بلغ إليه فهم المرءوسين من البشر هو أقلّ قليل منها.