نفسي (٢). فلهذا يصعب إثبات وجود الكيفيّات المحسوسة في الأجسام. لكنّا نعلم يقينا أنّ جسمين وأحدهما يتأثّر عنه الحسّ شيئا ، والآخر لا يتأثّر عنه ذلك الشيء أنّه مختصّ في ذاته بكيفيّة هي مبدأ حالة (٣) الحاسّة دون الآخر». انتهى موضع الحاجة من كلامه (١).
وقال فى الإشارات هكذا : «إشارة : إدراك (٤) الشيء هو أن يكون حقيقة متمثّلة عند المدرك ، يشاهدها ما به يدرك ، فإمّا أن يكون (٥) تلك الحقيقة نفس حقيقة الشيء الخارج عن المدرك إذا أدرك ، فيكون حقيقته (٦) ما لا وجود له في الأعيان الخارجة ، مثل كثير من الأشكال الهندسيّة ، بل كثير من المفروضات التي لا يمكن (٧) إذا فرضت في الهندسة ممّا لا يتحقّق أصلا ، ويكون (٨) مثال حقيقته مرتسما في ذات المدرك غير مباين له ، وهو الثاني (٩)».
تنبيه : «الشيء قد يكون محسوسا عند ما يشاهد ، ثمّ يكون متخيّلا عند غيبته بتمثّل صورته في الباطن ، كزيد الذي أبصرته ـ مثلا ـ اذا غاب عنك فخيّلته (١٠) ؛ وقد يكون معقولا عند ما يتصوّر من زيد ـ مثلا ـ معنى الإنسان الموجود أيضا لغيره ، وهو عند ما يكون محسوسا يكون قد غشيته غواش غريبة عن ماهيّته (١١) لو أزيلت عنه لم تؤثّر في كنه ماهيّته (١٢) ، مثل أين ، ووضع ، وكيف ، ومقدار بعينه. ولو توهّم بدله غيره لم تؤثّر في حقيقة ماهيّة (١٣) إنسانيّته.
والحسّ يناله من حيث هو مغمور في هذه العوارض التي تتوجّه (١٤) بحسب المادّة التي خلق منها ، لا يجرّده عنها ولا يناله إلّا بعلاقة وضعيّة بين حسّه ومادّته ، ولذلك لا يتمثّل في الحسّ الظاهر صورته إذا زال.
وأمّا الخيال الباطن فيتخيّله (١٥) مع تلك العوارض لا يقدر (١٦) على تجريده المطلق عنها ، لكنّه يجرّده عن تلك العلاقة المذكورة التي تعلّق بها الحسّ ، فهو يتمثّل صورته مع
__________________
(١) الاشارات ٢ / ٣٠٨ ـ ٣٢٧.
(٢) في المصدر : في حسّي ...
(٣) وإحالة ...
(٤) درك الشيء هو أن تكون حقيقة ...
(٥) تكون ...
(٦) حقيقة ما لا وجود له الفعل في الأعيان ...
(٧) لا تمكن ...
(٨) أو يكون ...
(٩) وهو الباقي ...
(١٠) فتخيّلته ...
(١١) عن ماهيّته ...
(١٢) كنه ماهيّته ...
(١٣) حقيقة ماهيّة ...
(١٤) تلحقه ...
(١٥) فتخيّله ...
(١٦) لا تقتدر.