غير لازمة لوجودها الذهنيّ. مع أنّ اتّصاف محالّ هذه الامور لصفاتها ممّا يتوقّف على أن يكون تلك المحالّ ممّا من شأنها أن تنفعل عنها وتتّصف بها. ولا نسلّم أنّ الذهن كذلك ؛ ولذلك لا يلزم عند تصوّرنا وإدراكنا الأرض أو السّماء مع كون المتصوّر منهما ماهيّتهما ، أن يكون الذهن عظيما مثلهما. فتبصّر.
ثمّ إنّ قول الشيخ : (١) «فإن قيل : فالعقل أيضا من الأعيان. قيل : يراد بالعين التي إذا حصل فيها الجوهر صدرت عنه أفاعيله وأحكامه». إيراد على الجواب الذي ذكره عن تلك الشبهة وجواب عن الإيراد.
بيان الإيراد : أنّه حيث ذكر في الجواب أوّلا أنّ معنى الجوهر وماهيّته أنّه الموجود في الأعيان لا في موضوع ، فلا ينافي أن يكون بحسب وجوده الذّهنيّ في موضوع ، أورد عليه ثانيا أنّ ماهيّة الجوهر بحسب وجودها في الأذهان أيضا لها وجود في الأعيان ، حيث إنّها ـ بحسب هذا الوجود ـ موجودة في العقل ، أي النّفس. ولا سترة في أنّ العقل من الموجودات العينيّة ؛ فالموجود فيه أيضا موجود بوجود عينيّ. والحال أنّ الجوهر بحسب هذا الوجود العينيّ موجود في موضوع ، فكيف يمكن أن يكون بحسب هذا الوجود العينيّ موجودا في موضوع؟ وكيف يمكن أن يكون ماهيّة الجوهر بأحد الوجودين العينيّين جوهرا وبالوجود الاخر العينيّ عرضا؟
وبيان الجواب : أنّ معنى الموجود في العين ليس أنّه الموجود في عين آخر غير نفس ذلك الموجود ، بل المراد بالعين هو عين ذلك الموجود ، ومعنى الموجود في العين أنّه الموجود في نفسه وفي حدّ ذاته ، مع قطع النظر عن فرض فارض إيّاه وعن كلّ ما سواه ، وهذا المعنى هو المراد من سائر العبارات التي يعبّر بها عنه ، كالموجود في نفس الأمر ، فإنّ المراد بالأمر هو ذلك الموجود ، وبالنّفس ذاته ، وبالموجود في نفس الأمر الموجود في نفسه وفي حدّ ذاته ، مع قطع النّظر عمّا ذكر. وهذا المعنى أيضا يراد بقولهم : الموجود في الخارج ، أي أنّه الموجود في نفسه وفي خارج الذّهن ، ومع قطع النّظر عن فرض الذهن.
__________________
(١) الشفاء ـ الإلهيّات / ١٤٠.