ذاتيّاتها وما هو من مقتضى ذاتها؟
قلنا في جوابه : إنّا سلّمنا أنّ تلك الماهيّة هي الماهيّة الإنسانيّة التي هي الحيوان الناطق. لكن نقول : إنّ معنى الماهيّة الإنسانيّة أنّها من شأنها أن تصدر عنها تلك الأمور إذا وجدت تلك الماهيّة في الأعيان ، لا أنّها من شأنها أن تكون يصدر عنها تلك إذا وجدت في الذّهن أيضا. فهي ـ سواء وجدت في العين أو في الذّهن ـ من شأنها أنّها في وجودها العينيّ يمكن أن يصدر عنها تلك الأمور. فعلى هذا ، فصدور تلك الأمور التي هي من مقتضى ذات الإنسان ، أو إمكان صدورها عنها ممّا للوجود الخارجيّ مدخل فيه ، وان كان ذاتيّا له ، ولا ضير في أنّه إذا جرّدت تلك الماهيّة عن الوجود الخارجيّ وحصلت في الذّهن ، لم تكن صفتها كذلك من حيث إنّها موجودة فيه.
نعم ، ربّما يتحقّق لها من حيث وجودها في الذّهن أمور أخر ، كالكلّيّة والجنسيّة والفصليّة وأمثال ذلك ممّا لا مدخل للوجود الخارجيّ فيه ، بل إنّما المدخل فيه للوجود الذهنيّ خاصّة. وعلى هذا فقس الحال في ماهيّات أخر وذاتيّاتها.
وكذلك لو قال قائل : إنّه لا يخفى أنّه عند ادراكنا أو تعقّلنا مثلا للحارّ والبارد ، أو للحرارة والبرودة ، أو المستقيم والمعوّج ، أو الاستقامة والاعوجاج ، يحصل في الذّهن ماهيّات تلك الامور كما ذكرت ؛ فيلزم أن يكون الذهن حارّا باردا معوّجا مستقيما ، إذ لا معنى لهذه إلّا ما يحصل فيه ماهيّة الحرارة والبرودة والاستقامة والاعوجاج. وأيضا يلزم أن تجتمع فيه الأمور المتضادّة من جهة واحدة ويتّصف بها ، فيكون هو متضادا كالأمور الحاصلة فيه ، وكلّ ذلك باطل بالضّرورة.
قلنا في جوابه : إنّا سلّمنا أنّ الحاصل في الذهن هو ماهيّات تلك الأمور ، لكنّا نقول : إنّ تلك الآثار والأحكام مترتّبة على وجود تلك الماهيّات في الأعيان فقط ، فتلك الماهيّات سواء وجدت في الأعيان أو في الأذهان ، فمن شأنها أنّها في وجوداتها العينيّة يمكن أن يصدر عنها تلك الآثار والأحكام ، ولا محذور في أن لا يترتّب تلك الآثار والأحكام عليها من حيث تجرّدها عن الوجود الخارجيّ ، أي من حيث وجوداتها الذهنيّة ، لكونها