الذهنيّ في موضوع ، فليس بمأخوذ في حدّه. فعلى هذا فكون ماهيّات الأعراض الحاصلة في الذّهن من حيث وجودها الذّهنيّ أعراضا موجودة في موضوع هو النّفس ، ليس ممّا يحقّق عرضيّتها ، كما أنّ كون ماهيّات الجواهر الحاصلة في الذّهن من حيث كونها كذلك أعراضا موجودة في موضوع ، لا ينافي جوهريّتها.
فإن قلت : من البيّن أنّ المعتبر في تلك الماهيّة الحاصلة في الذهن كونها مجرّدة عن الوجود الخارجيّ مطلقا ، ولازم هذا أن لا يكون يتحقّق لتلك الماهيّة الحاصلة فيه شيء ممّا المدخل فيه للوجود الخارجيّ ، ومن جملته معنى الجوهر والعرض. حيث إنّ المدخل فيه إنّما هو للوجود الخارجيّ خاصّة ، كما ذكرت من أنّ الجوهر ما لا يكون بحسب وجوده الخارجيّ في موضوع ، وأنّ العرض ما يكون بحسب وجوده الخارجيّ في موضوع. فيلزم من ذلك أن لا تدخل تلك الماهيّة بحسب وجودها الذهنيّ تحت مقولة من المقولات ، وأن لا يصدق عليها معنى الجوهر ولا معنى العرض ، فكيف يصدق عليها معنى العرض كما ذكرت؟
قلت : الحال كذلك ، إلّا أنّ لتلك الماهيّة الحاصلة من حيث حصولها في الذهن وقيامها بنفس جزئيّة نحوا من الوجود العينيّ أيضا ، كما سيأتي بيانه. فهي بذلك الاعتبار تكون عرضا ومن مقولة الكيف ، سواء كانت هي ماهيّة الجوهر أو ماهيّة العرض.
ثمّ إنّه بما ذكره الشيخ في جواب الشبهة الموردة في الجواهر والأعراض كما حرّرنا بيانه ، كما يندفع الشبهة عن ذلك ، كذلك تندفع الشبهة إذا أوردت في مطلق الذّاتيّات ومطلق العرضيّات اللازمة للوجود الخارجيّ.
مثلا إذا قال قائل : لا يخفى أنّ الصورة الحاصلة من الإنسان هي ماهيّة الإنسان مجرّدة عن الوجود الخارجيّ ، ومن المعلوم أنّ الماهيّة الإنسانيّة ماهيّة نوعيّة معناها الحيوان الناطق ، أي التي من شأنها أن يصدر عنها الحسّ والحركة الإراديّة وإدراك الجزئيّات والكلّيّات ؛ ولا سترة في أنّ تلك الماهيّة من حيث إنّها موجودة في الذهن لا يصدر عنها تلك الامور بالفعل ، ولا هي ممّا من شأنه أن يصدر عنه تلك الأمور ، فكيف يتخلّف عنها