وتقبلها.
وبعبارة أخرى أن تنتزع كلّ نفس من تلك النّفوس صورة من ذلك الشيء الواحد بالعدد ، وماهيّة مجرّدة منه ، وتحصّلها وتجعلها حاصلة في ذاتها فتقبلها ، لكان لا مانع من ذلك ولا استحالة فيه.
وحيث عرفت أنّ ذوات تلك الأشياء ـ أي العقل الفعّال والجواهر المجرّدة ـ لا توجد بوجوداتها العينيّة في النّفس إذا عقلتها ، عرفت أنّها عند كونها معقولة إنّما تحصل في النّفس ماهيّاتها المجرّدة عن الوجود العينيّ وعن لواحقه ، كما في غيرها من المعقولات ، فثبت عندك إذن أنّ تلك الأشياء إنّما تحصل في القوى البشريّة معاني ماهيّاتها المجرّدة ، لا ذواتها بوجوداتها الشخصيّة العينيّة ، ويكون حكمها كحكم سائر المعقولات من الجواهر التي هي ماهيّات كلّيّة مجرّدة عن الوجود الخارجيّ وعن المادّة وعلائقها إلّا في شيء واحد ، وهو أنّ تلك الجواهر المادّيّة تحتاج إلى تقشيرات وتجريدات عن الوجود العينيّ وعن المادّة وعن علائقها حتّى يتجرّد منها تعقّل ، وهذه الأشياء والذوات العقليّة لا تحتاج إلى شيء غير أن يوجد المعنى كما هو فينطبع بها النّفس ، أي لا تحتاج إلى تقشير وتجريد عن المادّة وعلائقها ، لكونها في حدّ ذاتها مجرّدة عنها ، وقد كفت النّفس المئونة في تجريده عنها ، فتنطبع هي كما هي عليه فيها ، وإن كانت تحتاج إلى تجريد عن الوجود العينيّ ، كما فى غيرها من المعقولات.
وحيث تحقّقت ما حقّقناه ، تبيّنت أنّ هذا الذي قلناه إنّما هو نقض حجّة المحتجّ ، أي القائل المذكور الذي ادّعى أنّ المعقول من العقل الفعّال والجواهر المفارقة لا يخالفها ، فلا يجوز أن يكون عرضا ، وليس فيه إثبات ما يذهب إليه.
ثمّ إنّ قول الشيخ (١) : «فنقول : إنّ هذه المعقولات سنبيّن من أمرها بعد ، أنّ ما كان من الصّور الطبيعيّة والتعليميّات ، فليس يجوز أن يقوم مفارقا بذاته». ـ إلى آخر ما ذكره في الفصل ـ إعادة بيان لما ذكره قبل ، مع زوائد ومزايا ، وفيه إشارة إلى أمور.
__________________
(١) الشفاء ـ الإلهيّات / ١٤٣.