نوعها بلا سبب يتعلّق به بوجه ، وهو محال كما تبيّن في موضعه.
وحيث كان كذلك ، فهي قائمة إمّا في موادّ بدنيّة أو نفسانيّة.
والأوّل باطل ، فبقي أن تكون هي قائمة في موادّ نفسانيّة ، أي قائمة في النفس ، بحيث كانت النّفس موضوعة لها ، فثبت أنّها أعراض في النّفس ، وهذا هو المطلوب. وقد تمّ بذلك تحرير كلام الشيخ واتّضح بيان بعض ما كنّا بصدده ، من بيان معنى الإدراك وكيفيّته ، وبيان أصناف الإدراكات التي للإنسان وكيفيّة إدراك المعاني الكلّيّة وتعقّل المعقولات.
ومنه اتّضح بيان كون المعاني الكلّيّة والمعقولات الحاصلة في النّفس بذاتها مجرّدة عن المادّة وعلائقها ، وهذا أيضا أحد المقاصد في هذا الباب.
والحاصل أنّه اتّضح أيضا بما ذكرنا ، أنّ ما يحصل في العقل من الأشياء المعقولة إنّما هو ماهيّاتها مجرّدة عن المادّة وعن علائقها ، سواء كان ذلك لا بتجريد يتولّاه العقل ، بل بوجود المعنى كما هو عليه فيه ، كما في المعقول من الذوات المفارقة عن المادّة ، وبتجريد يتولّاه العقل ، كما في غيرها من المادّيّات. فلا يقتضي ذلك المعقول مطلقا ـ من حيث هو معقول ـ ما يقتضيه المادّيّ من حيث هو مادّيّ ، من حدّ من الكمّ والكيف والوضع والأين ونظائرها ممّا هو تابع للمادّة. بل الماهيّة المعقولة من حيث هي معقولة مجرّدة عن المادّة وعن تلك اللواحق أجمع ، وإن كانت بحسب وجودها العينيّ ممّا يعرضها تلك اللواحق التابعة للمادّة. فالذوات المجرّدة المفارقة إن كان لها وجود في الخارج ، فهي كما أنّها في الوجود العينيّ مجرّدة عن المادّة وتوابعها ، كذلك هي في وجودها العقليّ مجرّدة عنها. إذ المفروض أنّها كما هي عليه منطبعة في النّفس. وكذلك الإنسان مثلا ، وإن كان بحسب وجوده العينيّ شخصا جزئيّا محفوفا بالمادّة وعوارضها ، لكنّه بحسب وجوده العقليّ ليس كذلك ، بل هو أمر كلّيّ مجرّد عنها. لأنّه لو كان في وجوده العقليّ مادّيّا محفوفا بتلك العوارض ، أي محفوفا بمقدار معيّن وأين معيّن وكيف معيّن ووضع معيّن وغير ذلك ، لم يكن ملائما لما ليس له ذلك ، فلا يكون كلّيّا مشتركا بين كثيرين ، هذا خلف.
وحيث تحقّقت ما تلوناه عليك ، وتبيّنت أنّ الصّورة العقليّة مطلقا يجب أن تكون