الاستدلال ، حيث إنّ ما استدلّ به الشّارح الجليل على عدم مجرّد سوى الله تعالى ، يدلّ على ثبوت مجرّد سواه تعالى. وإنّ ما يتوّهم هنا : من أنّه لو كان مجرّد سواه تعالى ، لكان مشاركا معه تعالى في صفة التجرّد فيلزم أن يكون بينهما مشترك ذاتيّ ، أو أن يكون ما يختصّ به تعالى موجودا في غيره أيضا ، وكلّ منهما محال ، فمدفوع ، لأنّ عجز الحواسّ عن إدراكه ، أو معنى التجرّد ، ليس أمرا وجوديّا ذاتيّا له تعالى ، بل إنّه أمر عدميّ ، وكذلك ليس لازما مساويا له وأمرا يختصّ به تعالى كما عرفت ، بل اللازم المساوي للربوبيّة وما يختصّ بها الذي لا يوجد في غيرها ، هو مجموع ما تضمّنه قوله عليهالسلام في صدر الحديث على الرّوايتين : فلا يعرف بالكيفوفيّة ولا بأينونيّة ، ولا يدرك بحاسّة ولا يقاس بشيء ، وكذا مجموع ما تضمّنه قوله عليهالسلام بعد ذلك ـ على رواية الطبرسيّ (ره) ـ : هو أجلّ من أن يدركه بصر أو يحيط به وهم أو يضبطه عقل. فإنّ ذلك لازم مساو للربوبيّة لا يتحقّق في غيره تعالى.
وكذلك ما يمكن أن يتوهّم هنا : أنّ التجرّد بمعنى عدم الاحتياج إلى المادّة في القوام ، وإن كان معنى عدميّا كما ذكر ، إلّا أنّ معنى القيام بالذّات اللازم للتجرّد أمر وجوديّ. فلو كان مجرّد سوى الله تعالى ، يلزم أن يشاركه تعالى في هذا المعنى الوجوديّ.
فمدفوع أيضا ، لأنّ هذا المعنى الوجوديّ لا نسلّم أنّه ذاتيّ له تعالى بل عرضيّ ، وليس أيضا عرضيّا لازما مساويا له تعالى ، أي خاصّة له ، لأنّه يوجد في غيره تعالى أيضا كما في الجسم ، حيث إنّ الجسم ـ أي مجموع الهيولى والصّورة ـ قائم بالذّات ، غير محتاج إلى المادّة في قوامه وتحصّله ، وإن كان جزءاه متحصّلا أحدهما بالآخر.
نعم لو أريد من معنى القيام بالذّات أنّه لا يحتاج في وجوده إلى شيء غيره أصلا ، لكان ذلك المعنى مختصّا به تعالى لا يوجد في غيره. ولا نسلّم أنّه لو كان مجرّد سواه تعالى ، كان ذلك المعنى متحقّقا فيه أيضا ، حتّى يلزم الاشتراك فيما هو مخصوص به تعالى ، فإنّ معنى القيام بالذّات في المجرّدات الممكنة أنّها مع احتياجها إلى فاعلها في وجودها لا تحتاج إلى المادّة في قوامها وتحصّلها.