وحيث بطل احتمال كون مقدّم هذه الشرطيّة علّة وملزوما لتاليها ، فبقي أن يكون معلولا ولازما له ، أي أن يكون كونه تعالى ربّا ، أو اليقين بكونه ربّا علّة وملزوما. لكونه ممّا يعجز الحواسّ عن إدراكه أو لليقين بذلك ، وهذا لازما له ومعلولا له ، كما اعترف الشّارح الجليل بأنّ عدم الإدراك بحاسّة لازم للربوبيّة. فلننظر في ذلك.
فنقول : إنّ هذا اللازم في بادي النظر لا يخلو عن أن يكون لازما أخصّ للربوبيّة ، أو لازما مساويا لها ، أي خاصّة لها أو لازما أعمّ. والأوّل باطل بالضّرورة ، إذ لا معنى للّازم الأخصّ هنا ، وكذا الثاني ، إذ اللازم المساوي ما يكون مساويا للملزوم ، وأن لا يتحقّق في غيره. فيلزم أنّه أينما تحقّق هذا اللازم ـ أي عجز الحواسّ عن إدراكه ـ تحقّق ذلك الملزوم أي الربوبيّة ، وقد عرفت بطلانه ، حيث عرفت أنّه في كثير المواضع يتحقّق عجز الحواسّ واليقين به ، ولا يتحقّق الربوبيّة ولا اليقين بها ، فيظهر أنّه لا يمكن أن يكون لازما مساويا لها ، أي أنّه لا يمكن أن يكون عجز الحواسّ عن إدراكه دليلا على الربوبيّة ، أي دليل إنّ عليها ، كما تضمّن اعتراف الشّارح الجليل : بأنّ عدم الإدراك بالحواسّ ليس دليلا على الصّانعيّة لذلك أيضا ، فبقي أن يكون لازما أعمّ.
وعلى تقديره ، يكون عجز الحواسّ عن الإدراك كما يتحقّق في الربّ تعالى شأنه ، كذلك يتحقّق في غيره من الأشياء التي تعجز الحواسّ عن إدراكها ، أي المجرّدات في ذاتها دون فعلها ، كما في النّفس ، أو في ذاتها وفعلها جميعا ، كالعقول المفارقة إن قلنا بها. وحينئذ فيكون ردّ إنكار السائل بأنّ عدم الإدراك بالحواسّ لا يمكن أن يكون دليلا على كونه لا شيئا ، فإنّ الربّ تعالى شأنه يلزمه أن يكون الحواسّ تعجز عن إدراكه ، كما في بعض الاشياء الممكنة الوجود أيضا.
والحاصل أنّك لمّا عجزت حواسّك عن إدراكه أنكرت ربوبيّته ، ونحن إذا عجزت حواسّنا عن إدراكه ، أيقنّا أنّه ربّنا ، إذ الرّبّ تعالى شأنه لا يكون إلّا كذلك. وإنّا حيث أيقنّا بسبب ذلك أنّه ربّنا ، والحال أنّ الرّبّ تعالى يكون بخلاف شيء من الأشياء ، أيقنّا أيضا أنّه بخلاف شيء من الأشياء ، لأنّ هذين اليقينين متلازمان ، وعند ذلك يظهر انعكاس