من الأشياء ، فإمّا أن يكون ذلك اللزوم بأن يكون المقدّم ملزوما وعلّة للتّالي ، والتّالي معلولا ولازما له ، فهذا مشكل ؛ لأنّه على هذا يلزم أن يكون الممتنعات والمعدومات أيضا ربّا ، حيث إنّها أيضا تعجز الحواسّ عن إدراكها ، وعلى تقدير تخصيص ذلك بما سوى المعدومات والممتنعات ، أي بالأشياء الموجودة التي تعجز الحواسّ عن إدراكها ، يلزم أن يكون كثير من الأشياء الممكنة الوجود الموجود في الخارج أو العقل ربّا صانعا للعالم.
أمّا على تقدير تعميم الموجود ، بحيث يشمل الموجود في العقل أيضا ، فظاهر ؛ لأنّه لا يخفى أنّ المعاني الكلّيّة موجودات عقليّة ، وهي ممّا يعجز الحواسّ عن إدراكها.
وأمّا على تقدير التخصيص بالموجود في الخارج ، فكذلك ؛ لأنّ الكلّيّ الطبيعيّ ، أي الطبيعة من حيث هي ـ على رأي القائلين بوجودها في ضمن أفرادها في الخارج كما هو المذهب الحقّ ـ موجودة في الخارج ، وهي ممّا تعجز الحواسّ عن إدراكها ، بل إنّما يدركها العقل خاصّة. وعلى تقدير عدم القول بوجود الطبيعة من حيث هي في ضمن أفرادها في الخارج ـ كما هو مذهب بعضهم ـ فلا يخفى أنّ نفس الحواسّ والقوى الحسّاسة والمشاعر الدرّاكة ممّا هي موجودات عينيّة خارجيّة ، وهي ممّا يعجز الحواسّ عن إدراكها ، كما هو المتبيّن والمبيّن في محلّه ، بل المدرك لها هو العقل ، أي النّفس بذاتها إدراكا حضوريّا لكونها آلات لها حاضرة عندها. والحاصل أنّه لو كان عجز الحواسّ عن الإدراك في الشرطيّة المذكورة علّة وملزوما للربوبيّة ، لزم أن يكون غيره تعالى أيضا ربّا ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
ومنه يعلم أنّه لا يمكن أن يكون العلم بهذا المقدّم أيضا علّة وملزوما للعالم بهذا التالي ولليقين به ، أي أن يكون اليقين بعجز الحواسّ عن إدراكه ، علّة لليقين بكونه ربّا ؛ للزوم ذلك المحذور على تقديره أيضا.
وبالجملة ، فيظهر ممّا ذكرنا : أنّه لا يمكن أن يكون مقدّم هذه الشرطيّة دليلا على تاليها ، أي دليل لمّ على الصّانعيّة ، وكونه ربّا كما اعترف به الشّارح الجليل نفسه أيضا ،