فاعل الكلّيّ والجزئيّ واحدا ، وهو باطل كما سبقت الإشارة إليه ، وسيتّضح فيما بعد أيضا ان شاء الله تعالى.
وإمّا أن يقال باستناد جميع تلك الأفعال إلى ذات تلك النّفس الواحدة بنفسها من غير أن يكون تفعل ما تفعله من الأفعال بتوسّط القوى ، إلّا أنّ ما تفعله بنفسها من الأفاعيل المختلفة إنّما تفعله باختلاف الآلات ، كما نقله الشيخ من القول الأوّل في بيان نقل المذاهب ، حيث قال (١) : «فمنها قول من زعم أنّ النّفس ذات واحدة ، وإنّما (٢) تفعل جميع الأفعال بنفسها باختلاف الآلات». ثمّ نقل عن ذلك القائل احتجاجه عليه بما احتجّ به كما نقلنا سابقا. فهذا القول أيضا باطل.
أمّا أوّلا ، فلأنّه يلزم على هذا المذهب أن لا يكون للحواسّ والمشاعر حظّ في الإدراكات أصلا ، وأن لا يكون لها فعل قطعا ، وأن لا يكون لها مدخل في تلك الأفعال إلّا على سبيل الآليّة فقط ، حيث إنّ المفروض أن الفاعل بلا واسطة للكلّ هو النّفس خاصّة ، وهذا خلاف ما نجده من نفوسنا بالضّرورة.
وأمّا ثانيا ، فلأنّه لو صحّ ذلك لصحّ في بعض الأفعال ، أي فيما تحتاج فيه إلى الآلة من الأفعال كالأفعال المنسوبة إلى النّفس النّباتيّة والحيوانيّة ، لا في كلّ الأفعال حتّى فيما لا تحتاج فيه إلى الآلة ، كالأفعال المنسوبة إلى النّفس الإنسانيّة ، إذ ليست هي فيها محتاجة إلى الآلة ولا فيها اختلاف في الآلة حتّى يصحّ أن يقال : إنّها تفعلها بنفسها باختلاف الآلات. وكأنّ ما ذكره الشيخ من القولين الآخرين ، ـ حيث قال : «ومن هؤلاء من زعم أنّ النّفس عالمة بذاتها ، تعلم كلّ شيء ، وإنّما تستعمل الحواسّ والآلات المقرّبة للمدركات منه بسبب أن تتنبّه به لما في ذاتها ؛ ومنهم من قال : إنّ ذلك على سبيل التذكّر لها ، فكأنّها عرض لها عنده أن نسيت» ، ثمّ نقل احتجاج الفريقين على ما ذهبا إليه كما نقلنا عنه سابقا ـ مبنيّان على هذا المذهب أيضا ، أي على القول الأوّل ، لكن على نحو يحصل به التفصّي
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٢٢١ ، الفصل السابع من المقالة الخامسة من الفنّ السادس.
(٢) في المصدر : وأنّها.