مبدأ للجميع ، وهذا هو القول في تلك الأقسام الأوّليّة.
وأمّا القول في خصوص كلّ قسم ، قسم ، فهو أنّ ما للإنسان من الأفعال الأوّليّة المختصّة به فعلان : علم وعمل ، وحيث كانا فعلين مختلفين وأمرين متغايرين تغايرا بالذّات ، ينبغي أن يكون لكلّ من العلم والعمل قوّة مختصّة ، فلذلك كانت القوّة العمليّة مغايرة للقوّة النظريّة.
ثمّ إنّه حيث كانت مراتب كلّ منهما مختلفة متغايرة ، ينبغي أن يكون لكلّ مرتبة من تلك المراتب قوّة أخرى تخصّها ، وبيان ذلك : أمّا في مراتب العمليّة ، فلأنّ تلك المراتب على ما قالوه أربع :
أوّلها : تهذيب الظاهر باستعمال النواميس الإلهيّة والشرائع النبويّة.
وثانيتها : تهذيب الباطن وتطهير القلب عن الملكات الرديّة والأخلاق الظلمانيّة ، ونقض آثار شواغله عن عالم الغيب.
وثالثتها : تنويرها بالصّور العلميّة والصفات المرضيّة ، وبعبارة أخرى ما يحصل بعد الاتّصال بعالم الغيب ، وهو تجلّي النّفس بالصّور القدسيّة.
ورابعتها : فناء النفس عن ذاتها ، وقصر النظر على ملاحظة جمال الله تعالى وجلاله ، حتّى يرى كلّ قدرة مضمحلّة في جنب قدرته الكاملة ، وكلّ علم مستغرقا في علمه الشامل ، وأنّ كلّ وجود وكمال فائض عن جنابه تعالى.
ولا يخفى أنّ تلك المراتب أمور متغايرة بالذّات ، ليست إحداها هي الأخرى. وحيث كانت كذلك ، فينبغي أن يكون لكلّ واحدة منها قوّة تخصّها.
وأمّا في مراتب النظريّة التي هي أربع أيضا عندهم : وهي العقل الهيولانيّ ، وبالملكة ، وبالمستفاد ، وبالفعل ، فلأنّها وإن كانت من جهة يغاير بعضها بعضا بالكماليّة والاستعداد نحو الكمال ، وبأنّ الاستعداد إمّا قريب أو بعيد أو متوسّط ، حيث إنّ العقل المستفاد كمال والهيولانيّ استعداد بعيد وبالملكة استعداد متوسّط وبالفعل استعداد قريب كما قالوه ، ويمكن أن يذهب الوهم إلى أنّ المبدأ للكلّ قوّة واحدة يختلف أحوالها