أحدها تحصيل جوهر البدن وهو في الحيوان والإنسان الدّم والخلط الذي هو بالقوّة القريبة من الفعل شبيه بالعضو ، وقد يخلّ به كما يقع في علّة تسمّى أطروقيا وهو عدم الغذاء.
والثاني الإلزاق ، وقد يخلّ به كما في الاستسقاء اللحميّ.
والثالث التّشبيه بالعضو المغتذي حتّى في قوامه ولونه ، وقد يخلّ به كما في البرص والبهق ، فإنّ جوهر البدن والإلزاق موجودان فيهما ، والتّشبيه غير موجود.
فهذه الأفعال الثّلاثة بقوى ثلاث الغاذية مجموعها ، أو قوّة أخرى هي رئيسة لها تستخدم كلّ واحدة منها. والقوّة التي يصدر منها التشبيه يسمّونها مغيّرة ثانية. أمّا التّغيير فظاهر ، وأمّا كونها مغيّرة ثانية ، فلما سيأتي. وهي واحدة بالجنس في الإنسان وغيره من المركّبات التي لها أعضاء وأجزاء مختلفة بالحقيقة بمنزلة الأعضاء وتختلف بالنّوع ، إذ في كلّ عضو منها قوّة تغيّر الغذاء إلى شبيه مخالف لشبيه الأخرى.
وأمّا النّامية ، فهي التي تداخل الغذاء بين أجزاء المغتذي فتزيد في الأقطار الثّلاثة بنسبة طبيعيّة ، بأن تزيد في الأعضاء الأصليّة ، أعني ما يتولّد عن المني كالعظم والعصب والرّباط وغيرها. وبقولنا : «بنسبة طبيعيّة» يخرج الورم ، فإنّه خارج عن المجرى الطبيعيّ ، وبذلك يظهر الفرق بين النّموّ والسّمن ، فإنّ السّمن إنّما هو زيادة في الأعضاء المتولّدة من الدم كاللحم والشّحم السّمن ، لا في الأعضاء الأصليّة.
وقيل : إنّ النّمو والسّمن مع اشتراكهما في شيء واحد وهو الازدياد الطّبيعيّ للبدن بانضياف مادّة الغذاء إليه ، يفترقان في أشياء ، منها التّناسب في الأقطار ، ومنها طلب غاية ما يقصدها الطبع ، ومنها الاختصاص بوقت معيّن ، فالنّموّ يختصّ بجميعها ، السّمن يخالفه أحيانا فيها ويوافقه أحيانا ، والذّبول يقابل النّموّ ، والهزال يقابل السّمن.
وبالجملة فالغاذية تخدم هذه القوّة في تحصيل المادّة.