أحسّت لتألّمت بالضغط والمزاحمة وبما يرد عليها من المصاكّات ، وكالشّعر فإنّه ضعيف بارز من البدن ، ولو كان له حسّ لتأذّي دائما.
وبالجملة ، فهذه القوّة من بين القوى الحسّاسة الظاهرة أقدمها ، ولذلك قد توجد هذه القوّة معرّاة عن سائر الحواسّ الظاهرة ، كما يوجد ذلك في الإسفنج البحريّ وغير ذلك ممّا هو متوسّط الوجود بين النّبات والحيوان ، ولا توجد سائر القوى معرّاة عنها ، وإنّما كان كذلك ، لأنّ هذه القوّة أكثر ضروريّة في وجود الحيوان من سائر قوى الحسّ.
ثمّ من بعد هذه القوّة ، قوّة الذّوق ، فإنّها أيضا لمس ما ، وأيضا فإنّها القوّة التي بها يختار الحيوان الملائم من الغذاء من غير الملائم.
ثمّ قوّة الشّمّ ، إذ كانت هذه القوّة أكثر ما يستعملها الحيوان في الاستدلال على الغذاء ، كالحال في النّمل والنّحل ، فهذه القوى الثّلاث هي القوى الضروريّة في وجود الحيوان.
وأمّا قوّتا السّمع والبصر ، فموجودتان في الحيوان من أجل الأفضل ، لا من أجل الضرورة ، ولذلك كان الحيوان المعروف بالخلد لا بصر له ، إلّا أنّهما ألطف الحواسّ ، كاد أن تكون مدركاتهما خارجة عن عالم المادّة ، والبصر أشرفهما ، والكلام في ذلك طويل.
ثمّ اعلم أنّه ربّما يقال إنّ الحركة أخت اللّمس في الحيوان. وكما أنّ من الحسّ نوعا متقدّما هو اللّمس ، كذلك قد يشبه أن يكون من قوى الحركة نوع متقدّم ، والمشهور أنّ من الحيوان ما له حسّ اللّمس وليس له قوّة الحركة ، مثل ضروب من الأصداف.
وقال الشّيخ في الشّفاء في تحقيق ذلك (١) : «إنّ الإرادة (٢) على ضربين : حركة انتقال من مكان إلى مكان ، وحركة (٣) انبساط وانقباض للأعضاء من الحيوان من (٤) دون انتقال الجملة من موضعها ، فيبعد من أن يكون (٥) له حسّ اللّمس ، ولا (٦) يكون له قوّة الحركة ، فإنّه كيف يعلم أنّه له حسّ اللّمس ، إلّا بأن يشاهد فيه نوع هرب من ملموس وطلب
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٥٩ ، الفصل الثالث في المقالة الاولى.
(٢) في المصدر : إنّ الحركة الإراديّة على ...
(٣) وحركة انقباض وانبساط ...
(٤) وإن لم يكن به انتقال الجملة عن موضعها ...
(٥) يكون حيوان له ...
(٦) ولا قوّة حركة فيه البتة ، فإنّه.