هذا ذاك.
وهب أنّ هذا التّميّز (١) هو للعقل ، فيجب (٢) أن يكون لا محالة أن يكون العقل يجدهما معا ، حتّى يميّز بينهما ، وذلك لأنّها من حيث هى محسوسة ، وعلى النّحو المتأدّي من المحسوس لا يدركها العقل ، لمّا (٣) سنوضّح بعد. وقد نميّز نحن (٤) بينهما ، فيجب أن يكون لها اجتماع عند مميّز ، إمّا في ذاته أو (٥) في غيره ، ومحال ذلك في العقل على ما ستعلم ، فيجب أن يكون في قوّة أخرى ، ولو لم يكن قد اجتمع عند الخيال من البهائم التي لا عقل لها ، المائلة بشهوتها إلى الحلاوة. مثلا أنّ شيئا صورته كذا هو حلو ، لما كانت إذا رأته همّت بأكله. كما أنّه لو لا (٦) عندنا أنّ هذا الأبيض هو هذا (٧) المعنى لما كنّا إذا سمعنا معناه (٨) الشخصيّ ، أثبتنا عينيته (٩) الشخصيّة ، وبالعكس ، ولو لم يكن في الحيوان ما يجتمع (١٠) فيه صور المحسوسات ، لتعذّر (١١) عليه الحياة ، ولو لم (١٢) يكن الشّمّ دالّا لها على الطّعم ، ولم يكن الصّوت دالّا إيّاها على الطّعم ، ولم (١٣) يكن الصّورة الخشبيّة تذكّرها صورة الألم حتّى تهرب (١٤) منه ، فيجب لا محالة أن يكون لهذه (١٥) مجمع واحد من باطن.
وقد يدلّنا على وجود هذه القوّة اعتبارات أمور تدلّ على أنّ لها آلة غير الحواسّ الظّاهرة.
منها (١٦) : ما نراه من تخيّل المدوّريّة أنّ كلّ شيء يدور ، فذلك إمّا عارض عرض في المرئيّات ، أو عارض عرض في الآلة (١٧) بها يتمّ الرؤية ، وإذا لم يكن في المرئيّات كان ـ لا محالة ـ في شيء آخر ، وليس الدّور (١٨) إلّا بسبب حركة البخار في الدّماغ وفي الرّوح التي فيه ، فيعرض لذلك (١٩) الرّوح أن يدور ، فيكون إذن القوّة المرئيّة هناك هي التي يعرض لها أمر قد فرغنا منه. وكذلك يعرض للإنسان دوار من تأمّل ما يدور كثيرا على ما أنبأنا به ، وليس يكون ذلك بسبب أمر في جزء من العين ولا في روح مصبوب فيه.
__________________
(١) في المصدر : هذا التمييز ...
(٢) فيجب لا محالة أن يكون العقل ...
(٣) كما سنوضّح ...
(٤) نحن بينها ...
(٥) وإمّا في غيره ...
(٦) لو لا أن عندنا نحن أن ...
(٧) هذا المغني ...
(٨) غناءه الشخصيّ ...
(٩) أثبتنا عينه ...
(١٠) ما تجتمع ...
(١١) لتعذّرت ...
(١٢) ولم يكن الشمّ ...
(١٣) ولم تكن ...
(١٤) تهرب منها ...
(١٥) لهذه الصور مجمع ...
(١٦) منها ممّا نراه ...
(١٧) الآلة التي بها تتمّ الرؤية ...
(١٨) الدوار ...
(١٩) لتلك الروح أن تدور ، فتكون إذن القوّة المرتّبة هناك.